بسم الله الرحمن الرحيممقدمةالحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا
شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله r وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:فإن القلب يمرض كما يمرض الجسم ومرض القلب أخطر من مرض
الجسم. وترى الواحد من الناس إذا مرض جسمه بادر إلى الطبيب في المستشفى لعلاجه.
ولكنه يمرض قلبه ولا يحس به ولا يتألم ولا يعالجه. وفي الحديث
«إن القلوب تصدأ
كما يصدأ الحديد وجلاؤها كثرة تلاوة كتاب الله تعالى وكثرة الذكر لله عز وجل» رواه
ابن شاهين في الترغيب في الذكر (
[1]) وفي الحديث:
«إن العبد إذا أذنب ذنبًا كانت نكتة سوداء في قلبه فإن هو
تاب ونزع صقل قلبه فإن عاد عادت حتى يسود قلبه فذلك الران الذي قال الله عنه:
{كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}
[المطففين 14]» أخرجه النسائي والترمذي وقال حديث حسن صحيح.
ويستفاد مما تقدم أن ذكر الموت يجلو القلب ففي الحديث «أكثروا
ذكر هاذم اللذات الموت فإنه ما ذكر في قليل إلا كثَّره ولا في كثير إلا قلله» رواه
الترمذي والنسائي وابن ماجه والحاكم وابن حبان والبيهقي.
فإن الغني إذا ذكر الموت زهد في ماله والفقير إذا ذكر
الموت قنع بما رزقه الله, وكذلك مما يجلو القلب تلاوة القرآن الكريم المشتمل على
الوعد والوعيد والترغيب والترهيب والقصص والأمثال والعظات والتبشير والإنذار,
وكذلك التوبة إلى الله والاستغفار طلب المغفرة من الله في جميع الأوقات من جميع
الذنوب والسيئات تصقل القلب وتجلوه.
وكذلك الاكثار من ذكر الله تعالى
{أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد 28]. والدعاء بقولك يا مقلب القلوب ثبت قلبي على
دينك ويا مصرَّف القلوب صرَّف قلوبنا إلى طاعتك وطاعة رسولك.
{رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ
رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ}
[آل عمران: 8].
وبالله التوفيق وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
صلاح الجسد بصلاح القلبوفساده بفسادهقال النبي r:
«ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله
وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب» رواه البخاري ومسلم. والمضغة القطعة
من اللحم وسمي القلب بها لصغره. وفيه دليل على أن صلاح الجوارح وفسادها بحسب ما في
القلب، فإن كان القلب سليمًا صلحت حركات الجوارح ونشأ عن ذلك فعل الطاعات واجتناب
المحرمات وإن كان فاسدًا فسدت حركات الجوارح وانبعثت إلى المعاصي بحسب اتباع هوى
القلب. فالقلب ملك الأعضاء وبقية الأعضاء جنود له مطيعون ما يأمرهم به من خير أو
شر فإن كان صالحا كانت جنوده صالحة, وإن كان فاسدًا كانت جنوده فاسدة.
فلا صلاح للقلب حتى يستقر فيه معرفة الله وعظمته ومحبته
وخشيته ومهابته ورجاؤه والتوكل عليه
وقد قال الله تعالى
{يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلا مَنْ أَتَى اللهَ
بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء 88-89]،
والقلب السليم هو الذي سلم من كل شبهة
تعارض الحق ومن كل شهوة محرمة. وسلم من الشرك والشك والنفاق والحسد والحقد. وعلى
كل حال فالمعاصي كلها تمرض القلوب وتميتها, وذكر الله وطاعته تحيي القلوب(
[2])
كما قال تعالى
{أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28]. وقال الشاعر:
رأيت الذنوب تميت القلوب
وقد يورث الذل إدمانها
وترك الذنوب حياة القلوب
وخير لنفسك عصيانها
نسأل الله العظيم أن يصلح فساد قلوبنا، يا مقلب القلوب ثبت
قلوبنا على دينك، ويا مصرف القلوب صرف قلوبنا إلى طاعتك وطاعة رسولك.
{ رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ
رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ }. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
([1]) كنز العمال
2/241.
([2]) محاسن الدين على متن الأربعين ضمن المجموعة الجليلة للشيخ فيصل
آل مبارك ص399.