جولييت الجنوب إدارة
معـلـومـاتي الجنس : الإنتساب : 23/10/2009 مكاني : في ارض الله الواسعه
| موضوع: بكاء تحت المطر الثلاثاء ديسمبر 15, 2009 9:39 pm | |
| روايه ""بكاء تحت المطر"" للكاتبه السعوديه قماشه العليان
ان شاء الله تعجبكم مثل ماعجبتني
بكاء تحت المطر في يوم غائم ممطر التقيته لأول مره.. كان شارد اللب حزيناً تقطر عيناه دموعاً ومرارة.. وكنت في أسوأ حالاً قلباً وقالباً.. أحسست بأعماقي أنه مصدوم.. صدمته قوية أطاحت بكل آماله وأحلامه.. كما أن حياتي بأسرها هي صدمة.. صدمة مؤلمة منذ بدايتها وإلى الآن وحتى النهاية.. لا بصيص نور يضيء حياتي ولوحتي انكسار وضوء يبدد العتمة.. سألته وحبات من الدموع تغرق عيني: ــ أهي أزمة مالية.. أم اجتماعية؟ أجاب بانكسار معذب: ــ لا هذه ولا تلك.. استطر بعد أن نظر إلى بشرود: ــ ربما هي أزمة عمر.. وربما هي ليست أزمة بمعنى الكلمة.. فكلمة أزمة هي كلمة فضفاضة واسعة تحمل ألف معنى ومعنى.. بينما ما أعانيه وما أشعر به وما أحسه لا علاقة له بتلك الكلمة لا من قريب ولا من بعيد.. تمالكت نفسي وحاولت السيطرة على مشاعري المنهارة.. ابتلعت دموعي المنسابة داخلي وغصة ألم تقتادني بمرارة نحو دهاليز لا أجهلها.. اغتصبت ابتسامة وأنا أقول: ــ أهو لغز أم فزورة..؟ تنهد بقوة خلت معها أن قلبه سيقفز خارج صدره.. قال بكلمات اعتدت رنينها: ــ أتفضلين أن أجلس كما أنا؟ أم لابد من ذلك المقعد الطويل لما له من أهمية لديكم أيها الأطباء النفسانيون؟ ترددت برهة.. لا.. لن أعامله كأي مريض يزور عيادتي.. إنه.. هو.. حالة خاصة.. حالة خاصة جداً.. وجلوسه على المقعد الاعتيادي سيجعله أكثر قرباً مني.. وأكثر صدقاً.. وأقل مرارة.. لن أجعله يشعر بالفروق الفردية بيننا كطبيبة ومريضها.. سأعامله كصديق.. كقريب يحكي لصديقه عن عذاباته وكأننا نجلس في مقهى أو على ناصية في أحد الشوارع أو في مطعم للوجبات السريعة.. سأكون كما لم أكن قبلاً، الأم والصديقة والطبيبة.. هززت كتفي بلا مبالاة وأنا أقول: ــ كما يحلو لك.. ولتبق مكانك إن أردت.. وأضفت برقة: لنتحدث كأصدقاء.. التفت إلي فجأة.. تألقت عيناه ببريق طالما أحببته.. همس بصوت خافت: ــ غريبة.. إن الأطباء الذين زرتهم كانوا دائما يصرون على أن أستلقي على ذلك المقعد.. هتفت بمرح: ــ إذن فأنا لست أول طبيبة تزورها؟ رد بأسى: ــ بالضبط يا دكتورة.. فلقد زرت خمسة من الأطباء قبل أن أسمه بك.. وللأسف كلهم تجاريون.. ولم أجلس عند أي منهم أكثر من خمس دقائق فقط.. ازداد الصخب في أعماقي وأنا اسأله: ــ لقد تجاوزت فترة مكوثك لدي الخمس عشرة دقيقة فهل تفضل الانصراف أم..؟ قاطعني قائلاً: ــ لقد ارتحت هنا.. وأعتقد أن أهم بنود العلاج النفسي هي ارتياح المريض للطبيب وثقته به.. التزمت الصمت وابتسامة ثقة ترتسم على شفتي المرتجفتين انه يرتاح لي.. انه يثق بي.. انه.. لا.. الماضي لا يمكن أن يعود.. يجب أن أنسى.. وهيهات أن أنسى.. أفقت فجأة من تأملاتي على صوته المتذبذب.. هدير صوته كشلال ينساب في أعماقي فيوقظني.. يوقظني حتى الحنين.. حتى الألم.. حتى جروح الذاكرة المقفلة على صديد.. سألني بغتة: ــ دكتورة.. هل ابدأ منذ البداية.. أعني بداية قصة حياتي.. ترددت برهة قبل أن أقول: ــ دع نفسك على سجيتك وحادثني في أي موضوع ترتاح إليه، حديث الأصدقاء أو كما تحب أن يكون.. أغمض عينيه بشدة، وكأنه يحجب صورة بشعة عن ناظريه كأنه يهرب من قدر يطارده.. وأضحيت نفسي أتأمله.. أتأمله كما لم أتأمل مريضاً يدخل عيادتي.. بشعره الأسود الداكن وأنفه الروماني الدقيق.. واستدارة الوجه العجيبة.. إنها الاستدارة بنفسها بالشارب الأسود الخفيف نفسه.. والشفتين الممتلئتين.. وكأنهما غاضبتان من العالم بأسره.. اهتزت رموشه فجأة.. لتضيء عينيه دموع.. دموع حقيقية.. دموع رجل في قمة مأساته.. قمة معاناته.. منتهى الانهيار والخضوع.. قال بتداع: ــ أكره الأطباء.. لم أفكر باللجوء إلى أحد منهم حتى تجاوزت مأساتي ( إن صح إطلاقي عليها لقب مأساة ) خطوطها الحمراء.. طفولتي كانت عادية، أو هذا ما أذكره منه كانت عادية.. لا شيء غير اعتيادي سوى انفصال أمي وأبي بالطلاق.. مشاكل وقضايا وتخيط في أورقة المحاكم.. انتهت بأن انضممت إلى أمي أنا وأختي الصغرى، بينما أخواتي الثلاث الكبيرات ذهبن على غير إرادتهن إلى أبي.. أمي لم تكن قاسية ولم تكن حنونة بل كانت حزينة.. حزينة ويائسة إلى حد الجنون.. عشت معها وأختي في جو كئيب حزين تخيم عليه التعاسة من كل جانب.. ولم نكن نرى أبي ولا حتى أخوتي، وكأنهم انفصلوا عن دنيانا إلى دنيا أخرى وعالم آخر لا يمت لعالمنا بصلة.. صمت وعيناه تغيمان بسحابة حزن غامضة.. نظر إلي فجأة وهو يسألني عن الوقت.. ابتسمت وأنا أبادله السؤال: ــ ألا ترغب في إكمال الحديث؟ رد بحرج: ــ لقد مضت ساعة يا دكتورة وأنا لست مريض الوحيد.. سآتي فيما بعد أيقنت أنه يهرب.. يهرب من شيء ما.. شيء لم يذكره ولا يريد ذكره.. لم أشأ الضغط عليه.. وإبقاءه رغما عنه.. فهذا يفشل خطة العلاج ويدمر العلاقة بين الطبيب والمريض، يجب أن يشعر بالحاجة لي من تلقاء نفسه.. يجب أن يعود دون أية ضغوط.. هززت كتفي بلا مبالاة قائلة: ــ حسناً هذا يكفي اليوم.. إذا شئت أن تعود مرة أخرى، فالرجاء أن تأخذ موعد لا حقاً.. نظر إلي بدون تركيز وهو يهمس: ــ سأعود.. حتماً سأعود.. كان هذا هو اللقاء الأول لي معه.. مع الصورة المجسمة لحبيبي الراحل.. صورة خلتها عادت من لحم ودم كما كانت قبل أعوام.. زوجي وحبيبي حسن.. الهيئة نفسها.. والمنظر نفسه، وله ذات الوجه الأسمر المهيب والشارب الأسود الخفيف.. والشفتان ذاتهما الغاضبتان من العالم بأسره.. هو,, هو بشحمه ولحمه.. هو هذا المريض.. خالد.. ظهور سكب الملح على جرحي وأيقظ حنينا يسكن الضلوع.. ظهور أعاد لي ذكريات الماضي القريب غاية القرب إلى نفسي، لم يكن حبي له وليد المصادفة.. أو الظروف.. بل ولد معي وتنفسته مع هوائي وعايشته بأجوائي.. فهو ابن عمي وأقرب قريب لي.. أحببته منذ الطفولة وعايشته في صباي وتعاهدنا على الزواج ونحن على مشارفة المراهقة.. لم يخيب أبواي رجائي.. ولم تكتنف طريق حبنا عثرة من أي نوع.. كان كل شيء سهلاً ميسراً بصورة تبعث على الشك.. وكيف لي أن أرتاب في أن سعادتي ستغتال في أقرب فرصة.. وأنني سأعود عما قريب صفر اليدين وحيدة إلا من ذكرياتي.. أجتر أحزاناً هائلة يعجز عنها قلب بشر.. وجراحاً عميقة تمزق أعتى القلوب.. زففت إلى حسن في ليلة حلوة بهيجة.. رقص فيها كل شيء حولي حتى أشياء حجرتي الصغيرة.. ارتديت الثوب الأبيض الذي أهداه حسن، والعقد الماسي الذي قال لي يوماً أنه يحاكي لون قلبي.. بدوت جميلة.. كما لم أكن أبداً من قبل.. سعادتي الداخلية أضفت على مظهري رونقا لم أكن أعهده.. غدوت حديث الجميع في تلك الليلة حتى ابنة خالتي الغيورة همست بحقد اخترق أذني: ــ إنها تبدو جميلة على غير العادة.. لم أعر أحداً انتباهاً ومضيت بطريقي غير عابئة بأحد أستقبل سعادتي المنتظرة بكل شوق وحب ولهفة.. تزوجته.. واتفقت معه ألا يفرقنا عن بعضنا إلا الموت.. وهيهات للموت أن يتغلغل في أفكارنا حينذاك، ونحن في قمة الفرح والسعادة.. كانت كلمة الموت بالنسبة لنا في ذلك الوقت كقصة اسطورية.. كظهور طبق طائر في الفضاء تثير سخريتنا أكثر مما تثير خوفنا.. وتكلل حبنا بقدوم أول طفل لنا.. وقتها ظهرت أول مشكلة في حياتنا.. كانت تبدو لي حينها ضخمة مجسمة محيره.. وهى إكمال دراستي في كلية الطب، وقد اجتزت المستوى الثالث بنجاح مشرف.. اعترض حسن على ذلك وقال لي بأن رعاية الطفل أهم.. بينما أصررت على رأيي وخيرته بين إكمال دراستي وحياتنا معاً.. تذكرت الدموع التي انسابت على وجهه حينذاك وهو يهمس: ــ ألهذه الدرجة أبدو تافهاً بنظرك.. تفضلين دراستك علي؟ أسرعت إليه تسابق دموعي دموعه.. وأعلنت له بكل حرارة بأن حبي له وحياتي معه أثمن من أية شهادة في العالم.. ومضيت حياتنا في سعادة خالصة حتى أحسست بما اعترى زوجي وحبيبي من تغير.. لاحظت شحوبه ونحوله.. وشروده الدائم والصداع القاتل الذي يمزق رأسه.. طلبت منه مراراً أن يعرض نفسه على الطبيب.. إجابته الدائمة كانت أن ما به لا يعدو صداعاً نصفياً ستقضي عليه المسكنات وأن هذا هو تشخيص كل طبيب زاره.. إحساس خفي يؤكد لي بأنه يكذب، وأنه يحاول أن يجنبني عذاباً لا طاقة لي بتحمله.. قلبي يود تصديقه وينفي كل احتمال آخر بكذبه.. وكيف لي أن أكذبه وهو حياتي التي أعيشها وعمري الذي أحياه حتى سقط بين أقدامي ذات يوم فاقداً الوعي.. حاولت إسعافه بأدويته التي يتناولها عادة، ولكن بدون أية فائدة.. اتصلت بوالده الذي حضر على الفور وساعدني على إفاقته من الغيبوبة ودموعه لا تفارق خديه.. هتفت جزعة: ــ عمي.. ماذا حدث.. هل زوجي حسن مريض؟ هز رأسه دون أن يتكلم.. صرخت دون وعي: ــ ما به؟ ارتجفت شفتاه وهو يقول برهبة: ــ ذلك المرض اللعين.. السرطان.. أغمي علي وافقت على واقع بشع مخيف.. يخلو من حبيب العمر حسن.. انطفأت شمعة حياتي وغدا عالمي حالك الظلام.. حالك السواد.. صرخت من أعماقي.. لماذا لم تخبرني من قبل؟ لم لم تدعني أشاركك مأساتك ومرضك وعذابك وقد تشاركنا من قبل في كل شيء.. في حلاوة الدنيا ومرارتها.. لم حاولت أن تجنبني العذاب لأصحو على عذاب أشد قسوة.. وأكثر مرارة.. لما حرمتني وداعك.. لأعطيك من أنفاسي حرارة تبعث الحياة في جسدك وأعطيك من حبي دفقة أمل تواجه بها المرض الكاسر وتهزمه.. وضاعت صرخاتي وسط صدى الأحزان ولكني لم أبك.. لم أذرف دمعة واحدة.. تحجرت دموعي لتدميني من الداخل ولتفجر أحزاناً تشقق من حملها الأضلاع.. كل شيء يذكرني به.. كل كلمة أستشعرها بوجوده.. حتى وجه طفلي الحبيب أبيت النظر إليه ودموع الداخل تنساب دون حساب.. وعيناي جافتان بدون دموع.. فقط حين رأيت خالد بكيت!! فوجوده أعاد صورة حسن إلى ذهني.. بشبابه وصحته وحيويته.. حسن كما عرفته دائما وكما تمنيت دائما أن يكون.. ظهور خالد أعادني إلى واقع طالما حاولت الهروب منه.. إن حسن موجود بأعماقي لم يمت ولن يموت.. هو حبي الوحيد الذي يسري في دمائي، ولن أنساه ما حييت رغم انشغالي بدراستي في السنوات الماضية، وتخرجي من الجامعة.. حتى طفلي لم ينس والده، وما فتىء يذكره في صحوه ومنامه ويسألني عنه في كل شاردة وواردة وماذا كان يحب وماذا كان يكره رغم مرور سبع سنوات على رحيله.. أيقضني صوت الممرضة من تأملاتي: ــ دكتورة.. لقد حان موعد الانصراف.. هل ترغبين بشيء؟ مسحت دمعة فرت من عيني وأنا أجيبها باستسلام: ــ شكراً يا هدى.. مع السلامة.. ----------------------------------- -------------------------------------------------------------------------------- المقطع الثاني ...........
عشت أياماً رهيبة تلت لقائي بالمريض خالد.. عانيت ضغوطا وصراعات نفسية غاية في القسوة.. كنت أحاول إقناع ذاتي بأن الماضي لا يمكن أن يعود، وأن ما تمضي به الأيام لا يمكنه بحال من الأحوال العودة إلى الوراء مرة أخرى.. ولكن قلبي.. ومشاعري.. أحاسيسي كله انتفضت من جديد وعاد كياني ينبض بأسى عشت عمري كله أقاومه.. ضممت ابني إلى صدري وصور الماضي بكل عذاباته تتدافع إلى نفسي من جديد.. كفاحي في الدراسة بعد غياب وحملي لقب أرملة وسط زميلاتي الطالبات.. ومأساة بعد التخرج واجتماع العائلة لتقرير مصيري.. أعمل أم لا أعمل.. ملغين بذلك وجودي واختياراتي كامرأة ناضجة لها الحق في تميز دربها الصحيح. بعد أسبوع من لقائي مع خالد.. أتتني الممرضة لتخبرني بحضور المريض خالد. دق قلبي بعنف.. حاولت جاهدة إخفاء ملامح اللهفة والاشتياق.. خانتني دمعة.. وهل حقا هذا الذي يحدث.. من بين آلاف البشر يطرق عيادتي ذات مساء شبيه لحبيبي الراحل.. إنها حكمة الله ولله في خلقه شئون. دخل خالد الحجرة دون أن يلقي علي السلام.. نظرت إليه بسرعة.. لم يكن كعادته.. كان بادىء الاضطراب يعلو وجهه الوسيم وجوم شديد.. ترتجف يداه بعنف.. بادرته قائلة: ــ مرحبا.. هل أنت في أحسن حال؟ باقتضاب أجاب: ــ لقد عاودتني النوبة.. لم أسأله أية نوبة يقصد.. فأنا لم أكن أعرف عنه إلا القليل.. القليل جداً مما حكاه لي.. ولم يتشعب حديثنا إلا عن حياته العائلية فقط ولا شيء آخر.. ولم أدر بقصة النوبات التي تحدث له.. حاولت الإفراخ عم روعه وأنا أقتاده إلى المقعد الطويل ليرتاح عليع.. جلست قربه وأنا اسأله بطريقة ودودة: ــ ما الأمر.. ماذا حدث..؟ تنفس بعمق قبل أن يقول: ــ لقد عاودتني النوبة.. نهضت من النوم من غير أن أشعر، وصعدت إلى أعلى البناية التي أقطن بها، وحاولت أن ألقي بنفسي من فوق سبعة أدوار.. لولا أن تجمهر الناس وأنقذوني.. والكلمات المعاد نفسها: ــ لماذا تحاول الانتحار؟ أنت شاب وأمامك مستقبل لامع فلماذا تقتل نفسك بهذه الطريقة؟ وغيرها الكثير من العبارات التي مللت سماعها.. فمتى يعرفون أنني لا أدري عن نفسي شيئاً وأنا أعمل ذلك.. متى يفهمون بأنني مسير ولست مخيراً وأن هذا شيء لا أفهمه.. يحدث بغير إرادتي وكأن شخصا ما يحركني رغماً عني.. لقد تعبت يا دكتورة وأريد أن استريح.. ــ منذ متى تعاودك هذه النوبات؟ ألقى برأسه إلى الوراء وكأنه يعتصر ذاكرته.. قال أخيراً باستسلام: ــ منذ ثلاث سنوات تقريباً.. ــ وهل تحدث هذه النوبات بانتظام؟ شهرياً مثلاً؟ أشاح بيده قائلاً: ــ لا.. إنها غير منتظمة.. وقد يحدث أن تأتيني في الشهور الستة مرتين وأحياناً تمر الشهور طويلة دون أن تأتي.. ــ خلال هذه السنوات الثلاث.. كم مرة عاودتك؟ ــ تقريباً أربع أو خمس مرات.. ــ وكلها انتهت بالفشل؟ ــ طبعاً.. و إلا لما كنت أمامك الآن على قيد الحياة.. ــ وماذا يحدث أثناء النوبة بالضبط؟ ــ لا أدري بالضبط.. ولكن شيئاً ما يدفعني بقوة إلى الانتحار.. شيء لا أدري كنهه.. وبدون شعور أحاول أن أقتل نفسي.. أفقت مرة وأنا أحاول طعن نفسي بسكين حادة.. وأمي تحاول انتزاعها مني وهي تنتحب بحرقة.. وأخرى وجدت نفسي قد سكبت البنزين على رأسي، وأحاول إشعال عود ثقاب، لولا أن تدخلت أختي الصغرى آخر لحظة لتنقذني.. والكل يتساءل لماذا أحاول الانتحار.. ماذا يحدث في حياتي لأحاول التخلص منها بهذه الطريقة.. الكثير يقولون لي ألهذه الدرجة هانت عليك نفسك.. وأمي أوعزت لإمام المسجد بأن ينصحني ويقول لي بأنني شاب مؤمن بالله وأن الانتحار كفر.. وأشيح بوجهي يائساً، وأنا أتمزق من الداخل، يفهمهم بأنني فعلاً لا أريد أن أقتل نفسي؟ وأن ما يحدث لي هو شيء لا أرغب به ولا أعلم به.. شيء يصيبني بالرعب والفزع والخوف.. فماذا لو نجحت إحدى هذه المحاولات وقتلت نفسي بالفعل وأنا لا أشعر؟ ماذا يحدث عندها.. إن القلق أدى بي إلى الخوف.. والخوف أدى بي إلى مزيد من القلق ومزيد من الضياع والاكتئاب، فحياتي عاديه أو كما تبدو لي كذلك.. فقد تخرجت في الجامعة منذ عامين وأعمل الآن في وظيفة مكتبية.. وأعيش مع أمي وأختي الصغرى التي تدرس في الجامعة ولا حب في حياتي ولا علاقات من أي نوع.. اضطرمت أحاسيسي وأنا أسمع جملته الأخيرة.. واندلعت النيران في جوفي.. تذكرت "حسن".. حسن الحبيب الراحل.. حبة لفؤاد ولؤلؤة العين.. ولماذا أتذكره في هذه اللحظات بالذات؟ وفي غمرة عملي الذي يجب أن أفصله فصلاً تاما عن حياتي الخاصة.. أنني أتعذب.. أتعذب بالماضي.. وبرؤية الحاضر.. وبالخوف من المستقبل.. آه لو تعلم يا خالد أنني أشاركك الخوف.. الخوف من الآتي القادم والخوف من كل خطوة أخطوها بعد ذلك.. الخوف من العودة إلى وحدتي ويأسي وعذابي.. الخوف من سجن الذكريات الذي ما زال يضرب أسواره حولي.. الخوف من كل شيء وأي شيء.. جاءني صوته المضطرب: ــ إنني أخشى أن تواتيني النوبة في عملي وبين زملائي فتحدث الفضيحة ويتهمونني بالجنون.. خرج صوتي قوياً على غير إرادتي وأنا اسأله: ــ هل تذكر بالضبط متى حدثت لك النوبة الأولى؟ وضع يديه على رأسه وهو يضغط بعنف، وكأنه يحاول الإمساك بشيء أفلت من بين يديه.. ثم قال بصوت متهدج: ــ لا أدري.. ولكن أعتقد إنها حدثت منذ ثلاث سنوات تقريباً.. كنت في السنة النهائية بالجامعة.. وعدت إلى البيت.. كنت مرهقاً مكدوداً.. الجو بارد وغائم.. وجدت أمي تبكي بحرقة ودموعها تسيل على وجنتيها بحرارة.. توجهت إلى حجرتي وألقيت بجسدي على السرير لأنام.. فوجئت بعد ذلك بأمي وأختي وخالي يحاولون إنقاذي من سلك المدفأة الذي لففته حول عنقي لأموت.. كانت صدمة قاسية لي.. وأوشكت فعلاً على التصديق بأنني حاولت الانتحار حقاً ولكن لم؟ لماذا؟ وليس هناك شيء في حياتي يدعوني لذلك.. ثم أني قبل أن أخلد للنوم لم أفكر في هذا الموضوع لا من قريب ولا من بعيد.. كيف؟ ولماذا؟ ومتى؟ والى أين؟ كلها أسئلة حائرة تطرق رأسي ولا مجيب.. لا شيء غير خواء داخلي يحيل حياتي إلى قبضة من سراب.. ثم أجهش بالبكاء.. قاومت نفسي بشدة كيلا أقترب منه وأربت على كتفيه بحنان وأزيح عن كاهليه ولو جزءاً بسيطاً من العبء الذي يحيل حياته لجحيم معذب.. يجب أن أفصل بين عملي كطبيبة وبين إحساسي وشعوري كامرأة.. فالطبيب النفساني يجب ألا يسلط على المريض أي نوع من أنواع العاطفة حتى يتمكن من إنقاذه من الحالة التي يتخبط فيها. قلت جاهدة ألا يبدو في صوتي أية رأفة وضعف: ــ وماذا كان موقف أسرتك في ذلك اليوم الذي حدثت لك فيه هذه النوبة؟ نظر إلي برهة وكأنه يستعيد ذكرى ذلك اليوم البعيد ثم قال بصوت أجش: ــ أبداً.. اجتمع رأي العائلة على أن أذهب لشيخ يقرأ علي القرآن لعل وعسى.. قاطعته بلهفة حاولت إخفائها: ــ وهل ذهبت؟ قال بحسرة: ــ نعم ذهبت وذهبت.. وذهبت.. ذهبت في البداية لرجل ادعى بأنني مسكون بأرواح شريرة، ومضى يحاول خنقي بكل قسوة.. وأنا مستسلم دون حراك، وكأنني جثة بلا روح ولما لم يجد شيئاً ادعى بأن الأرواح ترفض الخروج من جسدي.. ثم ذهبت إلى آخر فآخر.. والعلاج يتنوع ما بين ماء وزيت وخلطة من أعشاب متنوعة.. ولا فائدة.. كنت منهمك النفس مهدود القوى.. مشتت الفكر.. كنت أدرك إدراكاً تاما بأن ما يمكن داخلي هو علة نفسانية لا أكثر ولا أقل.. ولكنني رغم هذا كنت عاجزاً.. عاجزاً حتى عن الشكوى.. أرجوك يا دكتورة أنا متعب الآن.. ابتسمت لأوحي له بالثقة وأنا أقول: ــ حسناً موعدنا بعد ثلاثة أيام الساعة الخامسة مساء.. ----------------------------------- -------------------------------------------------------------------------------- استلقيت على سريري شبه منهارة.. لم تكن مشاكل عيادتي تؤثر بي ولكن خالد.. خالد إنه شيء آخر.. شيء أكبر من كل الكلمات وحكاية تتضاءل عندها كل الحكايات.. إنه حسن الراحل في ثوب جديد.. ربما يصغره بخمس سنوات.. ولكن الشبه بينهما يستحيل تجاهله أو التغاضي عنه.. بحثت في أحد الأدراج وأخرجت صورا قديمة.. صوراً من سعادة باتت ذكرى توجع القلوب.. صوري مع الحبيب الراحل.. وانسابت الدموع من عيني بحرارة.. الدموع التي تحجرت فيما مضى وذابت حين تعلقت بالحلم المستحيل.. التقيت "خالد" في العيادة.. شوقي تخفيه رزانتي كطبيبة.. وأحلامي تقتلها عيناه الكئيبتان.. قال لي بدون مقدمات: ــ هل هناك أمل يا دكتورة؟ ابتسمت في وجهه ببشاشة: ــ بالطبع إن شاء الله.. فأنت لست مريضاً بمعنى الكلمة.. إنما أنت تعاني من شيء ما يمكن في اللاشعور.. في عقلك الباطن.. وحين نتوصل إليه ستشفى بإذن الله.. فلا يوجد داء بلا دواء.. لذلك سأعطيك الآن إبرة التفريغ النفسي.. إنها إبرة مهدئة.. ستريحك تماماً.. وعندما استرخى تماماً على المقعد.. قلت له بهدوء: ــ والآن ماذا تتذكر من طفولتك..؟ قال بصوت كأنه خرير الماء: ــ كنا أسرة واحده غريبة.. مجتمعين ولكن على شتات في كل منا أحزان هائلة يعجز عنها قلب بشر.. ومشاكل لا تنتهي بين أمي وأبي على أي شيء وكل شيء.. كنت منتظماً في دراستي رغم ضياعي.. وفجأة حدث الطلاق بين أمي وأبي.. وما زالت ذكرى ذلك اليوم البائس تسكن ذاكرتي وتلقى ظلالاً بائسة على حياتي حتى هذه اللحظة.. فقد عدت من مدرستي متعباً مهدود القوى ( وهكذا أنا دائماً ) وجدت أمي تبكي.. تبكي بحرقة وهي تلملم ملابسنا في حقيبة كبيرة وأبي يلاحقها بكلمات ولكمات غاضبة وألفاظ جارحة.. كنت أشعر بالتمزق والضياع وأنا أسرع راكضاً لألقي على بنفسي بين أحضان أمي ليشدني أبي بقسوة ويطرحني أرضاً وهو يقول: ــ الفاسد.. المدلل.. أفسدته بتدليلها.. إنه لا يصلح لشيء.. وصمت خالد.. وانعكست عينيه اللامعتين صوراًً من الماضي.. صوراً كئيبة تؤلمه.. تعذبه.. تنغص عليه حياته.. ومستقبل أيامه.. أمسكت بالقلم وكتبت في المفكرة التي في يدي: ( عقدة تكمن في الطفولة.. ولدا وحيد بين أربع بنات ) قلت ببطء: ــ وقبل ذلك.. أعني الطلاق.. ماذا كان نوع العلاقة بين أمك وأبيك؟ ارتعشت رموشه بين عينيه وهو يقول: ــ كانت علاقة باردة.. جافة.. تخلو من دفء الحب وحرارته.. كان دائماً يحقر أمي ويهينها ويضربها.. لم أرهما يوماً متضاحكين أو باسمين.. كان كلاً منهما يعيش في عالم آخر ودنيا منفصلة عن شريكة.. وعوضت أمي هذا النقص فينا أو على الأحرى بي أنا.. فأغدقت علي من الحنان والحب الكثير والكثير.. كانت تقول لي دوماً: ــ أنت حبيبي الوحيد.. أنت الرجل الوحيد في حياتي.. ليس في دنياي سواك.. دونت في المفكرة: ( تعلق مبالغ من الأم بالولد وفي الوقت نفسه قسوة شديدة من الأب ) سألته: ــ وهل تحب أمك كثيراً؟ أعني أكثر من والدك؟ التفت إلي وكأنه فوجىء بالسؤال.. ثم قال ببرود: ــ لقد كانت حنونة علي أكثر من أبي وشيء طبيعي أن أحبها أكثر منه.. قلت له وأنا أقصد السؤال: ــ أتحبها إلى درجة الموت؟ قفز مكانه فجأة وكأنني صفعته.. ولبث لحظة يحدق بي دون حراك.. تمالكت نفسي بصعوبة فلم ترهبني حالته النفسية قدر إحساسي المجنون بقربه مني "حسن الحبيب الراحل يعود لي مرة أخرى".. انتشلت نفسي من أفكاري وأنا أواجهه.. ترددت أنفاسه بصعوبة.. جاءني صوته وكأنه ينتشله من بئر عميق: ــ أحب أمي أكثر من أي شيء آخر في الوجود.. وألقى بنفسه على المقعد منهاراً وكأنه اجتاز معركة رهيبة.. معركة مع نفسه.. كتبت في مفكرتي: ( علاقة غريبة تربطه بأمه.. الموت هو كلمة السر ) قلت وأنا أتفحص وجهه: ــ ماذا كانت علاقة والدتك بأخواتك البنات؟ نكس رأسه بأسى وهو يقول: ــ كان كل شيء عادياً بينها وبين أخواتي.. لم ألمح أو أحس بأن هناك شيئاً غير طبيعي.. وكما يحدث في كل بيت كان هناك خلافات بين الأم وبناتها.. أحياناً أيضاً كانت هناك أوقات سعيدة ضاحكة بينهن.. والجميع كانوا يشاركون في رعايتي وتلبية كافة احتياجاتي.. قاطعته: ــ هل كان والدك يضربك؟ اعتدل في جلسته على المقعد فجأة.. ونظر مترددة.. ثم ابتلع ريقه وهو يقول في صوت مهزوز: ــ ربما.. في أحيان كثيرة.. ولكن هذا لا يهم.. فكل أب في الدنيا من حقه أن يربي أولاده بالطريقة التي يختارها.. وكل الآباء يضربون أبنائهم.. ثم قفز واقفاً وهو يستطرد قائلاً: ــ أعتقد أننا تكلمنا بما فيه الكفاية هذا اليوم.. أرجو المعذرة.. أريد أن أذهب.. وتركته يذهب بكل بساطة.. تركته يغادرني ومئات الأسئلة تطرق رأسي حائرة دون جواب.. وصورته لا تغادر عيني.. ماذا وراءه؟ مم يعاني هذا الشاب الفتى الممتلىء صحة وحيوية؟ ما العقدة التي تستقر في عقله الباطن وتنغص عليه حياته؟ ما الحادث الذي اعترض حياته وانتهى به إلى هذه الحالة النفسية التي تقوده للأنتحار؟ لماذا قفز فجأة من المقعد حينما سألته عن ضرب أبيه له؟ وإجابته الملتوية ودفاعه الصارخ عم حق أبيه في ضربه؟ وكأنه يهرب من السؤال ومن الإجابة. أين تكمن عقدته يا ترى؟ لم أنم تلك الليلة.. ولا في الليالي التي تلتها.. حالة ذلك الشاب خالد الذي أسر كياني حيرني ومزقني خوفاً وهلعاً عليه.. فهي ليست حالة عادية بل حالة خطيرة وممكن أن تودي بحياته في أية لحظة.. ماذا لو فقد حياته قبل أن أتوصل لعلاجه؟ ماذا يحدث لي حينئذ؟ لابد أن أسرع في علاجه وأتخذ كافة التدابير والاحتياطات.. لابد أن أرى والته، فربما عن طريقها اكتشف الخيط الذي يقودني إلى عقدته وأحاول حلها.. قبل موعد الجلسة التالية بيومين اتصلت هاتفياً بخالد.. وهي ليست المرة الأولى التي أتصل فيها بمريض، فكثيراً ما ينقطع الخيط بيني وبين مرضاي مما يضطرني الاتصال بهم. فمنهم المكتئب الذي يرغب بالتقوقع على نفسه بعيداً عن الأطباء النفسانيين.. ومنهم الذي يهرب بعقدته خوفاً من اكتشاف الطبيب لها في اللحظة الأخيرة.. والبعض يخشى من تعرية ذاته أمام الطبيب.. وغيرهم الكثير.. ولكن خالد كان حالة خاصة ليس لإحساسي الوجداني به فعيناه المعذبتين تدفعاني دفعاً لإنقاذه من دياجير الظلام التي يتخبط فيها.. قلت له بمرح: ــ خالد.. أريد أن أرى والدتك وأتحدث معها إذا كان ذلك في الإمكان.. قال برجفة فضحها صوته: ــ هل أحضرها في موعد الجلسة القادمة يا دكتورة؟ وهل وجودها ضروري؟ أجبته برقة: ــ بالتأكيد وجودها مهم في خطة علاجك.. أرجو أن أراها في الجلسة التالية.. في موعد الجلسة التالية دخل خالد وبصحبته امرأة هزيلة تناهز الخامسة والخمسين من عمرها.. وخطها الشيب وترك الزمان بصماته على وجهها النحيل.. في عينيها هلع غريب وكأنها تخاف من كل شيء وأي شيء.. وكأنها شبعت رعباً وخوفاً وهلعاً.. قبل أن أتحدث معها بكلمة دونت في مفكرتي: ( أم خالد.. امرأة خائفة.. خائفة حد الرعب ) دعوتها للجلوس وابتسامتي لا تفارق شفتي.. أردت بث الطمأنينة والأمان إلى نفسها المضطربة الخائفة.. طلبت من خالد أن يغادر العيادة على أن يعود بعد ساعة واحدة.. نظر إلى بتردد قبل أن يبتلعه الباب الخارجي.. قلت لها بود حاولت من خلال النفاذ إلى أعماقها: ــ ابنك شاب مثقف ورائع.. غابت ابتسامتها السريعة وهي تقول: ــ كان كذلك دائماً.. حتى.. حتى وقت حدوث النوبات كما يسميها خالد.. إنه.. ثم أجهشت بالبكاء.. اقتربت منها أشد على يديها بحرارة.. قالت من خلال دموعها: ــ لا أدري لماذا يحاول خالد الانتحار؟ إنه شاب وسيم والمستقبل كله أمامه وأنا أفديه بعمري لو أراد.. ولكن.. لا أدري ماذا أفعل يا دكتورة.. إنني حقاً أتعذب.. قلت لها بهدوء: ــ إذن ساعديني لننقذ "خالد" مما هو فيه.. إنه حقاً لا يدري ماذا يفعل.. ولكن إذا تعاونا معاً أنا وأنت أمكن أن نساعد خالد وننشله بإذن الله من هذه الأزمة.. أجابت وبقايا دموع عالقة بأهدابها: ــ وماذا أستطيع أن أفعل؟ ــ نستطيع أنا وأنت فعل الكثير.. فكل ما أريده منك هو سرد ما تستطيعين تذكره من طفولة خالد..
| |
|
وســــن عضو ذهبى
معـلـومـاتي الجنس : الإنتساب : 15/09/2009 مكاني : وشتافولز
| موضوع: رد: بكاء تحت المطر الأربعاء ديسمبر 16, 2009 2:38 am | |
| مشكورة على الطرح المميز ننتظر الجديد تقبلي مروري | |
|
مشاكسة إدارة عـــامة
معـلـومـاتي الجنس : الإنتساب : 21/09/2009 مكاني : حيث اكون ..
| موضوع: رد: بكاء تحت المطر الأربعاء ديسمبر 16, 2009 2:49 am | |
| | |
|
جولييت الجنوب إدارة
معـلـومـاتي الجنس : الإنتساب : 23/10/2009 مكاني : في ارض الله الواسعه
| موضوع: رد: بكاء تحت المطر الأربعاء ديسمبر 16, 2009 9:32 pm | |
| مشكورين على مروركن اللطيف | |
|
ابن سودة عسير مستشار المنتدى
معـلـومـاتي الجنس : الإنتساب : 02/10/2009
| موضوع: رد: بكاء تحت المطر الخميس ديسمبر 17, 2009 4:01 am | |
| مشكوره على القصة الجميلة ومبروك على الإشراف على هذا المنتدى فاانت كفؤ لهذا واختيار موفق من الساهر وفقك الله وننتظر المزيد من ابداعاتك تقبلي مروري | |
|