|
|
| الاصابع المتحركه ..1 | |
| | كاتب الموضوع | رسالة |
---|
جولييت الجنوب إدارة
معـلـومـاتي الجنس : الإنتساب : 23/10/2009 مكاني : في ارض الله الواسعه
| موضوع: الاصابع المتحركه ..1 الأحد ديسمبر 20, 2009 1:22 am | |
| الفصل الأول 1
فك الأطباء الجـص عـنـي أخـيـراً , ونـظـروا إلـي بـشـفـقـة , وحـاولـت الممرضات استدراجي إلى تحريك أطرافي بحذر , وقد ضايقني حديثهن معي كما لو كـنت طفلاً رضيعاً , وقال ماركوس إنني يجب أن أعيش في الريف . هواء نظيف , حياة هادئة , الامتناع عن فعل أي شيء ـ هذا هو علاجك . وسوف تعتني بك أختك , فكل ما عليك هو أن تأكل وتنام وتقلد مملكة النباتات قدر الإمكان. لم أسأله ما إذا كنت سأستطيع الطيران مرة أخرى أم لا . فهناك أسئلة يخشى المرء من طرحها خوفاً من الإجابة . لذلك , لم أسأله في الأشهر الخمسة الأخيرة ما إذا كان قد حُكم علي أن أعيش طريح الفراش للأبد . كنت خائفاً من عبارات الطمأنينة البراقة التي تفوح منها رائحة النفاق كقول الممرضة لي : " ما هذا السؤال الذي تطرحه ؟ إننا لا نسمح لمرضانا بالتحدث بهذه الطريقة أبداً ! " لذا , لم أسأل ـ وسارت الأمور على ما يرام . فلم يكن مقدراً لي أن أظل عاجزاً إلى الأبد . حيث أستطيع تحريك ساقيّ , والوقوف عليهما , وأخيراً أستطيع المشي لبضع خطوات ـ وإن كنت أشعر بأنني طفل مغامر يتعلم المشي , بركبتين مرتعشتين ولفائف من القطن والصوف تلتف حول قدمي ـ حسناً , إن هذا مجرد ضعف سرعان ما سيزول . وقد أجاب الدكتور ماركوس كِنت ـ وهو طبيب قدير ـ عما أطرحه من أسئلة . قال : " سوف تتعافى تماماً . لم نكن متأكدين من ذلك حتى الثلاثاء الماضي عندما أجرينا لك ذلك الفحص , ولكن بوسعي إخباري بذلك الآن وأنا مطمئن ـ غير أن ذلك سيستغرق وقتاً طويلاً . ستكون رحلة طويلة , وإن جاز لي القول , فستكون شاقة بعض الشيء . فعندما يتعلق الأمر بشفاء الأعصاب والعضلات , فيجب أن يقوم العقل بمساعدة الجسم . وأي استعجال سوف يتسبب في انتكاسة , وأياً ما كنت تمارسه من قبل , فعليك التوقف عنه الآن , حاول أن تساعد نفسك على الشفاء بسرعة . إذا فعلت أي شيء من هذا القبيل , ستعود إلى دار الرعاية مجدداً . يجب عليك مراعاة البطء والتمهل . فليس جسدك وحده هو الذي يحتاج إلى شفاء , بل إن أعصابك أيضاً أصابها الضعف نتيجة لإخضاعك للأدوية لفترة من الزمن . لذا , أنصحك بالعيش في الريف , استأجر منزلاً , واهتم بالسياسة المحلية , وبالفضائح المحلية , وبالقيل والقال في القرية , اهتم بجيرانك بشكل فضولي , وإذا كان لي أن أقترح اقتراحاً , فاذهب إلى جزء من العالم ليس لك فيه أصدقاء . " أومأت برأسي قائلاً : " هذا ما فكرت فيه بالفعل . " لا أعتقد أن ثمة شيئاً أفضع من زيارات الأصدقاء والأقارب , وإبداء تعاطفهم , والتحدث عن شؤونهم الشخصية . سيقولون : " ولكن جيري يبدو رائعاً ـ أليس كذلك ؟ يجب أن أخبرك يا صديقي ـ خمن ما الذي فعله باستر ؟ " كلا , لا أريد شيئاً كهذا يحدث معي . إن الكلاب تتمتع بالحكمة , فهي تنزوي بعيداً في أحد الأركان الهادئة وتلعق جراحها , ولا تعود للعالم من حولها حتى تبرأ تماماً مرة أخرى . لذا فقد قمت أنا وجوانا ـ بـعـد طـول بحث من خلال وكلاء العقارات في جميع أنحاء بريطانيا ـ باختيار " ليتـل فـيـرز " بقريـة لايـمـسـتـوك , كأحد المنازل التـي يـمـكـن رؤيتها . وخاصة أننا لم نذهب إلى لايمستوك أبداً ولا نعرف أي أحد هناك . وعندما رأت جوانا ليتل فيرز قررت أنه المنزل الذي نبحث عنه . إنه يقع على نصف ميل تقريباً عن لايمستوك على الطريق المؤدي إلى المستنقعات . وهو منزل أنيق أبيض غير مرتفع , به شرفة على الطراز الفيكتوري , بلون أخضر باهت , ويطل على منحدر مغطى بنبات الخلج . ويمتلك البيت أسرة تتكون من سيدات عوانس , من عائلة بارتون , واللاتي لم يبق منهن إلا واحدة فقط , وهي أصغرهن , الآنسة إيميلي بارتون . كانت الآنسة إيميلي سيدة ضئيلة الجسم , كبيرة السن وكانت تتناغم مع منزلها بشكل غريب . شرحت لجوانا بصوت ناعم وبه رنة أسف أنها لم تترك المنزل من قبل , ولم تفكر في ذلك أصلاً . قالت : " ولكنك ترين يا عزيزتي , فإن الظروف قد تغيرت هذه الأيام ـ الضرائب . بالطبع , وهناك أسهمي الآمنة , كما كنت أتخيل دائما , والتي قد أوصاني مدير البنك نفسه بشرائها , ولكن يبدو أنها لا تدر عائداً هذه الأيام ـ ما أقوله لا علاقة له بموضوعنا , بالطبع ! صارت الأمور صعبة جداً . إن المرء لا يحب فكرة ترك المرء لبيته للغرباء ـ ولكن يجب فعل شيء ما , وبعدما رأيتكما , فإنني سعيدة بوجودكما هنا ـ إن المنزل بحاجة لوجود شباب . ويجب أن أعترف بأنني أتجنب فكرة وجود رجال هنا ! " عند هذه النقطة , كان على جوانا أن تخبرها بحالتي .وكان رد فعل الآنسة إيميلي رقيقاً . " أوه يا عزيزتي , لقد فهمت . حادث طيران ؟ إن هؤلاء الشباب يتمتعون بقدر هائل من الشجاعة .ولكن هل سيبقى شقيقك عاجز عملياً ؟ " يبدو أن الفكرة هدأت السيدة الرقيقة . فمن الواضح أنني لن أستطيع ممارسة تلك الأنشطة الذكورية التي تخشاها إيميلي بارتون وسألَت باستيحاء عما إذا كنت أدخن . أجابتها جوانا : " كالمدخنة . " ثم أوضحت قائلة : " ولكنني أنا أيضاً أدخن . " " بالطبع , بالطبع , يا لغبائي . أخشى أنني لم أتغير مع الزمن . فقد كانت شقيقاتي أكبر مني سناً , وقد عاشت أمي العزيزة حتى وصلت التاسعة والسبعون ـ تخيلوا ـ وكانت صارمة إلى أبعد الحدود . نعم , نعم , إن الجميع يدخنون هنا بَيد أنه لا توجد منفضة للتدخين في هذا البيت . " قالت جوانا أننا سوف نحضر الكثير منها , وأضافت ابتسامة : " لن نقوم بإطفاء السجائر في الأثاث الفخم .لا شيء يضايقني بقدر رؤية بعض الناس يفعلون ذلك . " وهكذا تمت تسوية الأمر واستأجرنا ليتل فيرز لستة أشهر , مع إمكانية مدها لثلاة أشهر أخرى , وأوضحت إيميلي بارتون أنها تشعر بالراحة لأنها ستقيم عند خادمتنا العجوز المخلصة فلورنسا , والتي توجت بعد أن قضت معنا خمسة عشر عاماً . قالت إيميلي : " إنها فتاة لطيفة , وزوجها يعمل في مجال العقارات . إن لديهما منزل جميل في منزل هاي ستريت وحجرتين جميلتين بالطابق العلوي , حيث سأكون أكثر راحة هناك , وستسر فلورنسا بوجودي معها . " إذاً , يبدو أن كل شيء يسير على ما يرام , فقد تم توقيع العقد , ووصلنا أنا وجوانا في الوقت المناسب , ورحبت بارتريدج ـ خادمة إيميلي بارتون ـ بفكرة بقائها معنا . كما يتم الاعتناء بشؤونها بفضل " فتاة " كانت تأتي كل صباح والتي كان ذكاؤها محدوداً ولكنها لطيفة . كانت بارتريدج سيدة في منتصف العمر نحيلة وقاسية الملامح ـ تجيد الطهي , وعلى الرغم من رفضها تأخير موعد العشاء ( كان من عادة إيميلي أن تتناول عشاء خفيفاً يتكون من بيض مسلوق ) إلا أنها كيفت نفسها على أسلوبنا , حتى أنها اعترفت بأنني يجب أن أستعيد قوتي ... بعدما استقر بنا الحال وأقمنا في ليتل فيرز أسبوعاً , جاءت الآنسة إيميلي بارتون وتركت بعض البطاقات , وهكذا فعلت السيدة سيمنجتون . زوجة المحامي , والآنسة جريفيث , أخت الطبيب , والسيد باي " رئيس برايرز إند " . لقد ترك ذلك انطباعاً جميلاً في نفس جوانا . قالت جوانا بصوت يعبر عن انبهارها : " لك أكن أن هؤلاء الناس مهووسون فعلاً ـ بالبطاقات . " قلت : " هذا يا عزيزتي لأنك لا تعرفين شيئاً عن الريف . " " هراء . لقد قضيت من عطلات نهاية الأسبوع في الريف . " إنني أكبر من جوانا بخمس سنوات , وأتذكر ذلك البيت المطلي باللون الأبيض الباهت , وغير المتهالك والمنظم الذي كنا نعيش فيه أيام طفولتي , حيث كانت تمتد الحقول حتى النهر . وبوسعي تذكر قيامي بالزحف تحت أشجار التوت دون أن يراني البستاني , ورائحة التراب الأبيض في الإسطبل , وقطة برتقالية تعبره , وسماع صوت حوافر الحصان وهي تضرب الأرض في الإسطبل . ولكن عندما بلغت السابعة وكانت جوانا في الثانية, ذهبنا للعيش في لندن مع عمتي, ومنذ ذلك الحين ونحن نقضي جميع العطلات و الأعياد في دور السينما والمسرح, حيث كنا نخرج للتنزه في حديقة كنجستون جاردنز ونركب القوارب , ثم مؤخراً أصبحنا نمارس رياضة التزلج . وفي شهر أغسطس كنا نحجز غرفة في أحد الفنادق المطلة على البحر . وبينما كنت أشرد بذهني هكذا , قلت لجوانا متأملاً , وبإحساس من وخر الضمير وبعد أن أدركت كم أصبحت عاجزاً وأنانياً في نفس الوقت . " أنا آسف , سيكون ذلك فضيعاً بالنسبة لك . سوف تفتقدين كل شيء . " قلت ذلك لأن جوانا جميلة جداً ومليئة بالحيوية , وتحب الرقص والحفلات وقيادة السيارات بسرعة جنونية . ضحكت جوانا وقالت أنها لا تبالي بذلك إطلاقاً . " في الحقيقة , أنا سعيدة بالابتعاد عن ذلك كله . فقد مللت من الزحام , وعلى الرغم من أنك لن تبدي تعاطفك , فقد تأثرت كثيراً لفراق باول , وسيستغرق الأمر مني وقتاً طويلاً حتى أتناساه يا جيري . " كنت أشك في هذا , فقصص الحب الخاصة بجوانا دائماً ما تسير على هذا النحو . فهي تفتتن بشاب ضعيف الشخصية , وتعتقد أنه عبقري لا يستطيع الناس فهمه , وتنصت إلى شكواه التي لا تنتهي وتفعل أي شيء لتحوز تقديره , وعندما يجحد مجهوداتها , فإنها تتأثر بشدة وتقول أن قلبها قد جرح ـ حتى يأتي شاب آخر , وعادة ما يأتي بعد ثلاثة أسابيع ! لذا لم آخذ مسألة جرح قلب جوانا على محمل الجد . ولكن بدا لي أن العيش في الريف لعبة جديدة لشقيقتي الجذابة . قالت : " على كل حال , فإن مظهري جيد , أليس كذلك ؟ " تفحصتها بنظرة كلها نقد ولم أستطع الاتفاق معها . كانت جوانا ترتدي ملابس رياضية , كانت ترتدي تنورة قصيرة وضيقة , وعلى نصفها العلوي كانت ترتدي قميصاً قصيراً يدعو للسخرية . كانت تلبس جوربين من الحرير الشفاف , وحذاء لا غبار عليه , وكله يعد من علامات الموضة . قلت : " كلا , إن مظهرك ليس مناسباً على الإطلاق , بل وبه الكثير من الأخطاء , ينبغي أن ترتدي تنورة ذات لون أخضر أو بني باهت , وحري بك ارتداك سترة من الكشمير تناسبها , وربما معطف صوفي , ويمكنك أن تلبسي قبعة من اللباد وجوربين من قماش سميك وحذاء قديم . فقط , عندئذ , يمكنك السير عبر شارع هاي ستريت بلايمستوك دون أن تبدي شاذة عن الآخرين كما أنت الآن.وبالمناسبة , فإن وجهك كله أخطاء أيضاً . " " ما الخطأ فيه ؟ لقد وضعت مساحيق من الدرجة الثانية تناسب الريف . " " نعم , إذا أردت العيش في لايمستوك , فلا تضعي إلا القليل من المساحيق حتى لا تلفتي النظر إلى أنفك , وربما يجب عليك وضع القليل من أحمر الشفاه ـ مع عدم توخي الدقة الشديدة ـ وعليك وضع كل رموشك تقريباً بدلاً من ربعها . " صاحت جوانا وبدت أنها وجدت المزيد من ضروب التسلية . قالت : " أتعتقد أنهم سيضنونني فظيعة ؟ " قلت : " كلا , بل شاذة . " استأنفت جوانا قراءتها للبطاقات التي تركها زوارنا . زوجة رجل الدين هي الوحيدة التي أسعدها , أو ربما ساءها الحظ بأن تستضيف جوانا في منزلها . تمتمت جوانا قائلة : " تبدو الأسر هنا سعيدة , أليس كذلك ؟ فهذه زوجة محامٍ , وتلك أخت طبيب ... الخ " ثم أضافت بحماس : " أعتقد أن هذا المكان لطيف يا جيري ! عالم قديم جميل جداً . لا يمكنك التفكير بأن شيئاً شريراً سيحدث هنا , أليس كذلك ؟ " وعلى الرغم من أنني أعرف أن ما تقوله محض هراء , إلا أنني وافقتها الرأي . ففي مكان مثل لايمستوك لا يمكن أن يحدث شيء شرير , والغريب أننا تلقينا أولى خطاباتنا بعد أسبوع واحد فقط . 2 أعرف أنني بدأت بشكل سيء , فلم أعط وصفاً لقرية لايمستوك , وبدون فهم أوصاف لايمستوك لا يمكن فهم قصتي . بادئ ذي بدء , فإن لايمستوك لها جذور ضاربة في الماضي . ففي أيام الغزو النورماندي , كانت لايمستوك على قدر كبير من الأهمية , وتنبع أهميتها من كونها مركزاً دينياً حينذاك . فقد كان في لايمستوك دير للرهبان وتعاقب عليه الكثير من الرهبان الطموحين وذي النفوذ . وكان اللوردات والبارونات الذين يعيشون في الريف المحيط به يتركون جزءاً من أراضيهم تحت تصرف الدير . وازداد ثراء وأهمية الدير واكتسب نفوذاً لقرون عدة . بيد أنه بمرور الزمن قام هنري الثامن بإلغاء كل تلك الامتيازات ولحق بالدير ما لحق بأقرانه . ومنذ ذلك الحين هيمنت قلعة البلدة . كانت لا تزال مهمة وآلت لها الحقوق والميزات والثروات . وثم , في حوالي القرن الثامن عشر , جاء المد التقدمي ليطيح بنفوذ لايمستوك ويتركها في غياهب التخلف . حيث انهارت القلعة , ولم يتم إنشاء شوارع رئيسية ولا سكك حديدية بالقرب من لايمستوك , التي تحولت إلى سوق محلي غير ذي أهمية تمتد بها المستنقعات والمزارع وتحيط بها الحقول الهادئة . كان يقام بها سوق مرة كل أسبوع , وفي ذلك اليوم يصادف المرء قطعان الماشية في الأزقة والطرقات . وكا يقام بها سباق للخيل مرتين في السنة لا يتبارى فيه إلا الخيول الضعيفة . وكان بها شارع رئيسي خلاب , تصطف على جانبيه المنازل التي تقف بشموخ , والتي كانت تبدو غريبة بعض الشيء بنوافذها المتواجدة في الطابق الأرضي والتي كان دائماً ما يوجد عليها الفطائر أو الفاكهة أو الخضروات . وكان بالشارع أيضاً متجر ضخم لتجارة الألبسة والجوخ يمتد على نحو مستق مع الشارع , وهناك أيضاً تجد متجراً هائلاً للحدادة , ومكتباً للبريد له أهمية في هذا المكان . وكذلك هناك في ذات الشارع مجموعة من المتاجر والمحال المتنوعة , فهناك متجران يتنافسان لبيع اللحوم , وكان بالشارع لافتة لعيادة طبيب ومؤسسة قانونية يديرها السيدان جالبرث والسيد سيمنجتون , وكان بالشارع أيضاً إحدى دور العبادة والتي يرجع تاريخها إلى عام 1420 م , ولا يزال يفوح منها رائحة العصر الساكسوني . وهناك أيضاً مدرسة أنشئت حديثاً وحانتين . هذه هي لايمستوك , وبدافع إيميلي بارتون , حضر جميع من في البلدة لكي يتعرفوا علينا , ومن أجل هذا اضطرت جوانا لأن تبتاع زوجاً من القفازات وقلنسوة مخملية , بدلاً من ملابسها التي تفتقر إلى الذوق , حتى تتمكن من رد زيارتهم . بالنسبة لنا كان كل شيئاً جديداً ومسلياً , فنحن لم نذهب إلى هناك للإقامة الدائمة . لقد كانت بالنسبة لنا شيئاً مؤقتاً . وقد استعددت لإطاعة تعليمات طبيبي والاتهمام بجيراني . لقد وجدت أنا وأختي جوانا الأمر ممتعاً للغاية . أعتقد أنني تذكرت تعليمات ماركوس كِنت بالاستمتاع بالفضائح المحلية . بالقطع كنت أشك في كيفية معرفتي بهذه الفضائح . والشيء الغريب أن مجيء ذلك الخطاب كان ممتعاً ومسلياً لنا أكثر من أي شيء . أذكر أنه وصل بينما نحن نتناول الإفطار . قلبته في يدي , بتلك الطريقة الكسولة التي يتبعها المرء عندما يمر الوقت ببطء ويجب الغوص في كل حدث حتى نهايته . لقد كان مرسلاً من داخل البلدة وقد كتب عنوانه على آلة كاتبة . فتحته قبل الخطابين الآخرين اللذان يحملان طوابع بريد لندن , حيث إن أحدهم كان يحوي فاتورة والآخر كان من أحد أبناء عمومتي المضجرين . وبداخله كانت هناك كلمات و حروف مطبوعة , وقد لصقت على ورقة بيضاء . أخذت أحدق لدقيقة أو دقيقتين إلى الكلمات دون أن أستوعبها , ثم شهقت . نظرت إلي جوانا , التي كانت تطالع بعض الفواتير مقطبة جبينها . وقالت : " مرحباً , ما هذا ؟ تبدو مروعاً . " لقد عبر الخطاب , الذي يستخدم مصطلحات بذيئة , عن رأي الكاتب بأنني أنا وجوانا لسنا أخوين . قلت لجوانا : " إنه خطاب قذر من مجهول . " كنت لا أزال أعاني من آثار الصدمة . فلم أتوقع مثل ذلك الشيء في منطقة هادئة مثل لايمستوك . وفجأة , أبدت جوانا اهتمامها , وقالت : " حقاً ؟ ماذا يقول ؟ " كنت قد قرأت في الروايات أن الخطابات البذيئة والمثيرة للاشمئزاز لا ينبغي أن تطلع عليها النساء , ما أمكن ذلك . حيث يجب تجنيب المرأة الصدمة التي قد يتعرض لها الجهاز العصبي الحساس . ويؤسفني القول إنه لم يتراء لي أن أُطلع جوانا على الخطاب , لذا سلمته لها فوراً . قالت : " يا له من خطاب قذر ! لقد سمعت كثيراً عن الخطابات المجهولة , لكنني لم يسبق لي أن رأيت أحدها . هل هي دائماً هكذا ؟ " قلت : " لا أستطيع الجزم بذلك . فهذه أول مرة أشاهد فيها خطاباً مثل هذا . " شرعت جوانا في الضحك . " لابد أنك كنت محقاً فيما يخص مساحيق التجميل التي كنت أضعها يا جيري . أعتقد أنهم يحسبونني فتاة هاربة من أهلها . " قلت : " إضافة إلى حقيقة أن ابانا كان رجلاً طويلاً ذا فكين طويلين أسودين وأمنا كانت امرأة شقراء الشعر زرقاء العينين قصيرة القامة , وقد ورثت أنا صفات أبي , أما أنت فقد ورثت صفات أمي . " أومأت جوانا برأسها مفكرة . " نعم , نحن لسنا متشابهين إلى حد ما , ولن يظن المرء أننا أخوان . " قلت : " لابد أن أحدهم لاحظ ذلك . " قالت جوانا إنها تعتقد أن الأمر ممتع . أمسكت الخطاب من إحدى زواياه وتركته يتدلى , ثم سألتني عما ينبغي فعله به . قلت: " أعتقد أن الإجراء الصحيح هو إلقاءه في النار مع إطلاق صيحة اشمئزاز ." نفذت ما قلته عملياً , وصفقت جوانا بيديها . أضافت : " لقد فعلتها بشكل جميل , كان ينبغي أن تكون ممثلاً . من حسن حظنا أن النار متقدة , أليس كذلك ؟ " وافقتها , قائلاً : " عندئذ كانت سلة المهملات ستصبح حلاً أقل إثارة . كان بوسعي بالطبع أن أشعله بعود ثقاب وأستمتع به وهو يحترق ببطء . " قالت جوانا : " إن الأشياء لا تحترق عندما تريدها أن تحترق , بل إنها تسلم من النيران , وربما كان عليك إشعال عود ثقاب بعد آخر . " نهضت واتجهت نحو النافذة , وعندما وصلت إلى هناك التفتت فجأة , وقالت : " إنني أتساءل , من الذي قام بكتابته ؟ " قلت : " لن نعرف أبداً على الأرجح . " " نعم ـ لا أعتقد أننا قد نتمكن من ذلك . " صمتت لبرهة , ثم قالت : " يراودني إحساس أحياناً بأن الأمر ليس ممتعاً . أتعلم ؟ لقد حسبت ـ حسبت أنهم أحبونا هنا ." أظن ذلك ؟ أوه ـ إنه عمل شرير ! " عندما خرجت لتستمتع بالشمس المشرقة , فكرت بيني وبين نفسي أثناء تدخيني لسيجارتي بأنها كانت محقة تماماً . إنه عمل شرير . لقد استاء أحدهم من مجيئنا إلى هنا , وكان مستاءً من جمال جوانا الخاطف , لقد أراد إيذاءنا . ربما كانت مقابلة مثل هذا الأمر بالضحك أفضل طريقة ـ ولكن في أعماق نفوسنا لم يكن ممتعاً أبداً... جاء الدكتور جريفيث هذا الصباح . لقد اتفقت معه على إجراء فحص أسبوعي . وقد أحببت أوين جريفيث , لقد كان ذا بشرة سمراء , ضئيل الجسم . يتحرك في رشاقة وخفة , ويداه ماهرتان في الفحص , وكان يتلعثم في حديثه قليلاً , وكان خجولاً إلى حد كبير . أشار إلى تقدمي في العلاج كي يشجعني , ثم قال : " إنك تشعر بالتحسن , أليس كذلك ؟ يبدو أنك متعكر المزاج هذا الصباح , أم هذا وهم مني ؟ " قلت : " فعلاً , لقد تسلمت هذا الصباح خطاباً بذيئاً من مجهول , وقد شعرت ببعض الضيق والمرارة بعد قراءته . " ألقى حقيبته على الأرض , واعترى وجهه النحيف الأسمر شعور بالإثارة . " هل تعني أنك تسلمت واحداً منها ؟ " شعرت بالاهتمام والإثارة . فقلت : " فإنه أمر شائع إذاً ؟ " " منذ فترة من الوقت . " قلت: " أوه , فهمت . لقد حسبت أن وجودنا في هذا المكان أمر غير مرغوب فيه ." " كلا , كلا , الأمر لا علاقة له بذلك . إنه مجرد ـ " توقف عن الكلام ثم سألني : " ماذا كان محتوى الخطاب ؟ على الأقل ـ " احمر وجهه وشعر بالحرج : " ربما لم يكن لي أن أسأل مثل هذا السؤال . " قلت : " سأخبرك بكل سرور , بقد قال إن الفتاة التي أحضرتها معي ليست أختي ـ ويمكنني القول بأن هذا ملخصاً لمحتوى الخطاب بعد تنقيحه من البذاءات . " احمر وجهه غضباً. وقال : " اللعنة , لعل أختك ـ إنها ليست مستاءة, أليس كذلك ؟" قلت : " إن جوانا تبدو كملاك طاهر , ولكنها فتاة عصرية وصلبة جداً . لقد وجدِت أن الأمر مسلٍ للغاية . فهي لم تصادف مثل هذه الأشياء من قبل . " قال جريفيث بحرارة : " أتمنى لو لم تصادفها في الحقيقة . " قلت بحزم : " على أية حال , فإن هذا هو الأسلوب الأنسب لمواجهة مثل هذه السخافات على ما أعتقد . " قال أوين جريفيث : " نعم , لكن ــ " توقف عن الحديث , فسارعت قائلاً : " ولكن ماذا , ماذا تقصد ؟ " قال : " المشكلة أن مثل هذه الأفعال إذا ما بدأت, فإنها تتفشى وتنتشر بشكل كبير ." " علي أن أتوقع هذا . " " إنها حالة مرضية بالطبع . " أومأت برأسي ثم سألته : " ولكن هل من ثمة فكرة عمن يكون وراء إرسال مثل هذه الخطابات ؟ " قال : " ليتني كنت أعرف . أتدري إن الخطابات المجهولة نوعان ؟ إما أنها خاصة, أي إنها موجهة لشخص بعينه , أو مجموعة من الأشخاص , أي تستطيع أن تقول إن هناك دافعاً لذلك , حيث إن الشخص الذي يرسل الرسائل يحمل ضغينة ( أو يعتقد أنه كذلك ) ضد أحد الأشخاص , ثم يختار أسلوباً قذراً ومنحطاً ليعبر عن كراهيته , إنه أسلوب دنيء , ويثير الاشمئزاز ولكنه لا ينم عن جنون صاحبه , وفي تلك الحالة يكون من السهل معرفة ما وراء الخطاب المرسل ــ خادمة تم طردها ــ امرأة غيورة ــ وهكذا . ولكن إذا كانت عامة وليست خاصة , فإنها تمسي أكثر خطورة . حيث ترسل الخطابات دونما تفرقة وبطريقة عشوائية , وتؤدي الغرض بالتنفيس عن إحباط ما في ذهن الكاتب . وكما قلت فإنه أمر مرضي . وتزداد إصابة الشخص بالجنون . وفي النهاية تتعقب الشخص محل الشبهة ــ غالباً ما يكون شخصاً مكروهاً من الجميع , وهذا كل ما في الأمر . لقد حدث شيء مثل هذا على الجانب الآخر من المقاطعة في العام الماضي ــ وتبين أن رئيسة قسم القبعات بمؤسسة كبيرة للملابس هي من تقف وراء ذلك . كانت امرأة رقيقة جداً ــ عملت هناك لسنوات . أذكر أن ذلك حصل في آخر سنة لي هناك عندما كنت أقضي فترة التكليف ــ ولكن تبين أن ضغينة شخصية هي السبب . وكما أقول فإنني رأيت شيئاً من هذا القبيل , وبصراحة فإنه يخيفني ! " سألته : " هل يحدث ذلك منذ فترة طويلة ؟ " " لا أعتقد , وإن كان يصعب الجزم بذلك , بالطبع , لأن من يتلقون هذه الرسائل لا يعلنون عنها , وإنما يكتفون بإحراقها ... " توقف للحظة . ثم أكمل : " لقد تلقيت واحدة منها , كما أن سيمنجتون , المحامي , تلقى واحدة , وكذلك اثنان من مرضاي المساكين أخبراني بتلقيهما رسائل من هذا النوع . " " كلها من نفس العينة ؟ " " أوه , نعم , كلها تعزف على وتر الجنس . هذه هي الخاصية الرئيسية المشتركة بينها . " ثم ابتسم وأضاف : " لقد اتهم سيمنجتون بإقامة علاقة غير شرعية مع كاتبته ـ السيدة جنش المسكينة , التي تبلغ من العمر بضعة وأربعين عاماً تقريباً , وترتدي نظارة سميكة وأسنانها تشبه أسنان الأرنب . ولقد أخذ سيمنجتون الرسالة وتوجه بها إلى الشرطة . أما الرسائل التي تلقيتها أنا , فإنها تتهمني بانتهاك آداب المهنة مع مرضاي من النساء . لقد كتبت بأسلوب طفولي وسخيف , ولكنها سامة للغاية . " تغير وجهه , وبدت عليه أمارات الحزن وهو يقول : " ولكن مع ذلك أشعرب بالخوف , فهذه الأشياء يمكن أن تكون في غاية الخطورة , كما تعلم . " " أعتقد ذلك . " " لعلك ترى أنه على الرغم من تفاهة وسخافة هذه النكات , فإن إحدى هذه الرسائل ستصيب الهدف عاجلاً أو آجلاً . والله وحده يعلم ما سيحصل حينذاك ! إنني خائف أيضاً من تأثيرها على أصحاب العقول الضعيفة الشكاكة الخالية من الثقافة والعلم . فإذا ما رأى أحدهم شيئاً مكتوباً , فسوف يعتقد بصحته , وعندئذ قد تظهر كل أنواع العقد . " قلت متأملاً : " إنها تنم عن جهل كاتبها , إذ يبدو لي أنه شخص أمي . " قال أوين : " أهي كذلك فعلاً ؟ " ثم خرج ... بينما كنت أفكر فيها فيما بعد وجدت أن عبارة " أهي كذلك فعلاً ؟ " محيرة لي ...
يتبع ..
| |
| | | جولييت الجنوب إدارة
معـلـومـاتي الجنس : الإنتساب : 23/10/2009 مكاني : في ارض الله الواسعه
| موضوع: الاصابع المتحركه الج...2 الأحد ديسمبر 20, 2009 1:29 am | |
| الفصل الثاني
1 لن أدعي أن الرسالة التي وصلتنا خالية من التوقيع لم تترك طعماً مراً في الفم .فهذا هو ما حدث بالفعل ولكن في الوقت نفسه نسيت أمرها سريعاً , ولم آخذها حتى هذه النقطة على محمل الجد . وأعتقد أنني أتذكر ما كنت أقوله بأن هذه الأشياء تحدث كثيراً في القرى النائية . لابد أن امرأة مخبولة تريد تسلية نفسها هي التي تقف وراءها . على أية حال , ما دامت الرسائل هذه مكتوبة بأسلوب طفولي كمثل التي تلقيناها , فإنه لا ضرر منها على الإطلاق . كانت الحادثة التالية ـ إذا جاز لي القول ـ بعد أسبوع , عندما أخبرتني بارتريدج وهي تزم على شفتيها أن بياترس , الخادمة اليومية , لن تأتي اليوم . قالت بارتريدج : " أحسب يا سيدي أن الفتاة مستاءة . " لم أكن متأكداً تماماً مما تعنيه بارتريدج بكلامها هذا , ولكني خمنت ( خطأ ) أن بياترس تعاني من بعض المتاعب في معدتها ولا تستطيع بارتريدج الإشارة إلى ذلك بشكل مباشر , لذا عبرت لها عن أسفي وتمنيت لها الشفاء العاجل . قالت بارتريدج : " إن صحة الفتاة على ما يرام يا سيدي , إن مشاعرها هي المعتلة . " قلت متشككاً : " أوه . " واصلت بارتريدج قائلة : " بسبب رسالة تلقتها . وأحسب أنها تعرض بها . " كانت نظرة الاشمئزاز في عيني بارتريدج , إضافة إلى تشديدها على كلمة ( تعرض ) قد جعلني أدرك أن ذلك التعريض له علاقة بي . وحيث إنني ما كنت لأميز بياترس بصعوبة لو قابلتها في البلدة , فإنني لم أدرك مغزى تشديدها على هذه الكلمة ـ فقد شعرت بأنه استياء غير مبرر . كما أن رجلاً يمشي على عكازين ليس من شأنه أن يفتن بنات القرية . لذا قلت بتوتر : " يا لهذه السخافات ! " قالت بارتريدج : " هذا ما قلته بالحرف لأمها يا سيدي , فقد قالت لها : " لم ولن يحدث شيء من هذا القبيل في هذا المنزل ما دمت أنا المسؤولة عنه . " وبالنسبة لبياترس , فقد قلت لها : " إن الفتيات مختلفات هذا الزمان ولا أعرف شيئاً عما يحدث بالخارج . " , ولكن الحقيقة يا سيدي أن صديق بياترس الذي يعمل في المرآب قد تلقى رسائل شريرة أيضاً وهو لا يتصرف بحكمة على الإطلاق . " قلت بغضب : " لم أسمع أبداً شيئاً بهذه الوقاحة . " قالت : " في رأيي أن نتخلص من هذه الفتاة , فما كانت لتستاء هكذا بشدة , وتسلك هذا السلوك. لو لم يكن هناك شيء تخشى افتضاحه.لا دخان بدون نار.هذا قولي . " لم يكن لدي فكرة عما ستسببه هذه الكلمة لي من متاعب .
2 اعتزمت هذا الصباح ـ على سبيل المغامرة ـ التجول عبر شوارع القرية . ( كنت أنا وجوانا نطلق عليها دائماً اسم القرية , وان كان اسما خاطئ علمياً , وكان من شأن سكان لايمستوك أن ينزعجوا إذا سمعونا نقول هذا ) . كانت الشمس ساطعة , والهواء رائع تتخلله نسمات الربيع الحلوة . اتكأت على عكازي وبدأت السير رافضاً بحزم مراقة جوانا لي . قلت : " كلا , لن أصطحب حارساً يسير الهويني بجواري ويمطرني بعبارات التشجيع , وتذكري أن الرجل الأسرع هو من يسير بمفرده . كما أن لدي الكثير من الأعمال التي أريد قضاءها , فسوف أذهب إلى جالبريث وسيمنجتون , وأوقع عقد تحويل الأسهم , وسوف أذهب إلى الخباز وأشكو له من رغيف الزبيب , ثم سأعيد ذلك الكتاب الذي استعرته . ويجب أن أذهب إلى البنك أيضاً . دعيني بمفردي يا جوانا , فهذا الصباح قصير جداً . " اتفقنا على أن تصطحبني جوانا بالسيارة وتعود لتعيدني وقت الغداء . قالت جوانا : " إن هذا سيتيح لك الفرصة لقضاء بعض الوقت في لايمستوك . " قلت : " لا أشك في أنه كان ينبغي علي رؤية كل شخص ذي شأن منذ مجيئنا . " كان الصباح في الشارع الرئيسي يعتبر مكاناً لتلاقي المولعين بالتسوق وتبادل الأخبار . وعلى أية حال , لم أسر دون صحبة , فما كدت أسير لمائتي ياردة حتى سمعت صوت جرس دراجة يرن خلفي , ثم صوت احتكاك , ثم ميجان هنتر وهي تسقط عند قدمي . قالت : " مرحباً . " وهي تلهث بينما تنهض من على الأرض وتنفض عن نفسها التراب . لقد كنت أحب ميجان , وكنت أشعر بالأسف لما أصابها . كانت ابنة السيدة سيمنجتون من زوجها السابق . لم يتحدث أحد كثيراً عن السيد هنتر , وعلمت أنه كان يعتبر من الأفضل تناسيه . ويقال إنه كان يعامل السيدة سيمنجتون بشكل بالغ السوء . وقد طلقها بعد عام أو عامين من زواجهما . لقد كانت لديها مواردها المالية الخاصة وسكنت لايمستوك لكي تنسى , وفي النهاية تزوجت مـن الأعـزب الـوحـيـد المؤهل في القرية , ريتشارد سيمنجتون . وقد أثمر الزواج الثاني عن ولدين , وقد كرس والدهما نفسيهما لرعايتهما , وأعتقد بأن ميجان تشعر بأنها شاذة في هذه الأسرة , فهي لم تكن تشبه أمها , والتي كانت ضئيلة الحجم , وذات جمال باهت وتتحدث بصوت ضعيف تكسوه نبرة كآبة بسبب متاعب الخدم وصحتها المعتلة .
أما ميجان فكانت فتاة طويلة القامة , خجولة بعض الشيء . وعلى الرغم من أنها فعلية في العشرين من عمرها , فقد بدت مثل فتاة في السادسة عشر من عمرها لا تزال في المدرسة . كان شعرها البني غير مصفف أبداً , وعيناها ذات أخضر بندقي , وكان وجهها نحيفاً بارز العظام , وابتسامتها خلابة بشكل غير متوقع . وكانت ملابسها قذرة وغير جذابة , وتلبس عادة جوربين بهما ثقوب . لقد بدت , كما تراءى لي هذا الصباح , أشبه بحصان أكثر منها إنسان . في الواقع , كان بإمكانها أن تكون حصاناً جميلاً جداً ببعض التهذيب . وكعادتها كانت تتكلم باندفاع . قالت : " لقد كنت متوجهة إلى المزرعة ـ مزرعة لاشر كما تعلم ـ لأرى ما إذا كان لديهم بيض بط . فلديهم عدد كبير من الخراف الصغيرة الجميلة . إنها لطيفة ! هل تحب الخراف ؟ أنا أحبها , حتى إنني أحب رائحتها . " قلت : " إن الخراف التي تتم رعايتها رعاية جيدة لا تكون رائحتها سيئة . " " أليس كذلك ؟ إنها في كل مكان هنا . هل أنت ذاهب للبلدة ؟ لقد رأيتك وحدك , لذا فكرت في التوقف والسير معك , غير أنني توقفت فجأة . " قلت " لقد مزقت جواربك . " نظرت ميجان بحزن إلى رجلها اليمنى . ثم قالت : " نعم , ولكن كان به ثقوب بالفعل , لذا فإنه لا يهم كثيراً , أليس كذلك ؟ " " هل أصلحت جواربك من قبل , ميجان ؟ " " أحياناً , عندما تلاحظها أمي , ولكنها لا تهتم كثيراً بما أفعله ـ وهذا من حسن حظي , أليس كذلك ؟ " قلت : " يبدو أنكي لم تدركي أنك كبرت . " " أتعني أنني يجب أن أشبه الدمية مثل أختك ؟ " شعرت بالاستياء لوصف جوانا بهذا الشكل ... قلت : " إنها تبدو نظيفة , وأنيقة , ورؤيتها محببة للعين . " قالت ميجان : " إنها جميلة جداً . إنها لا تشبهك كثيراً , أليس كذلك ؟ ما السبب في عدم تشابهكما ؟ " " لا يشترط أن يكون الإخوة متشابهين دائماً . " " نعم , بالطبع , فأنا لا أشبه كولين وبريان , كما أن بريان لا يشبه كولين . " توقفت للحظة ثم قالت : " إنه لأمر عجيب , أليس كذلك ؟ " " ما هو ؟ " أجابت ميجان باختصار قائلة : " الأسر . " قلت متأملاً : " أعتقد ذلك . " تساءلت عما يدور في ذهنها . سرنا في صمت لدقيقة أو دقيقتين , ثم قالت ميجان بخجل : " أنت طيار , أليس كذلك ؟ " " بلى . " " وهذا هو سبب إصابتك ؟ " " نعم , لقد تحطمت طائرتي . " قالت : " لا أحد يمارس الطيران هنا . " قلت : " كلا , لا أعتقد ذلك . هل تحبين الطيران يا ميجان ؟ " بدت وكأنها فوجئت , فقالت : " أنا ؟ يا إلهي ! كلا , سأصاب بالدوار , إنني أصاب بالدوار حتى عند ركوب القطار . " توقفت لبرهة , ثم سألت بطريقة مباشرة كالأطفال : " هل ستستطيع الطيران مرة أخرى , أم ستظل عاجزاً للأبد ؟ " " يقول طبيبي أنني سوف أتعافى وأسترد صحتي . " " نعم , ولكن هل هو من نوعية الرجال الكذابين ؟ " أجبت : " لا أعتقد ذلك . في الحقيقة , أنا متأكد من ذلك تماماً , إنني أثق فيه . " " إذا كان الأمر كذلك فلا بأس , ولكن الكثير من الناس يكذبون . " تقبلت هذه العبارة التي لا يمكن إنكارها بصمت . قالت ميجان بطريقة حكيمة : " إنني سعيدة , كنت أخشى أن تكون غاضباً بسبب عجزك ـ ولكن إن كان ذلك طبيعياً , إلا إنه مختلف . " قلت ببرود : إنني لست غاضباً . " أنت سريع الانفعال إذاً ؟ " "أنا سريع الانفعال لأنني أتعجل لاشفاء مرة أخرى ـ وهذه الأشياء لا يمكن استعجالها." " إذن , لماذا أنت قلق ؟ " بدأت أضحك . ثم قلت : " عزيزتي , ألم تتعجلي حدوث شيء أبداً ؟ " فكرت ميجان في السؤال ثم قالت : " كلا , وما الذي يدعوني لذلك ؟ ليس هناك شيء يدعوني للعجلة . فلا شيء يحدث أبداً . " صدمت بنبرة اليأس في كلامها , فقلت بلطف : " ماذا تفعلين هنا ؟ " هوت كتفاها . قالت : " ما الذي يمكن فعله هنا ؟ " " أليس لديك أية هوايات ؟ أتمارسين ألعاباً ؟ ألديك أصدقاء هنا ؟ " " إنني غبية في الألعاب , ولا أحبها كثيراً , ولا يوجد الكثير من الفتيات هنا , الفتيات الموجودات لا أحبهن . فهن يحسبنني فظيعة . " " هراء ! لماذا يعتقدون ذلك ؟ " هزت ميجان رأسها . فقلت : " ألم تذهبي إلى المدرسة إطلاقاً ؟ " " بلا , ولقد عدت منها قبل عام . " " هل استمتعت بالمدرسة ؟ " لم تكن سيئة , وإن كانوا قد علموني الأشياء بطريقة سخيفة للغاية . " " ماذا تعنين ؟ " " حسناً ـ مجرد قشور من هنا وهناك . ينحتون ويغيرون من شيء لآخر . لقد كانت مدرسة رخيصة , كما تعلم , ولم يكن المدرسون على درجة عالية من الكفاءة , فلم يكن بوسعهم الإجابة عن الأسئلة بشكل لائق . " قلت : " القليل من المدرسين من يستطيع ذلك . " " لِم لا ؟ من المفترض أن يكونوا أكفاء . " وافقتها . فقالت : " بالطبع , أنا غبية جداً . ومثل هذه الأشياء تبدو لي متعفنة . التاريخ مثلاً , لماذا يختلف باختلاف الكتب ؟ " قلت : " لأن كتابها مختلفون . " واصلت ميجان حديثها قائلة : " والقواعد اللغوية , وموضوعات الإنشاء التافهة , وكل هذه السخافات التي كتبها شيلي متغزلاً في القبرات , ووردس ورث الذي أذهب شعره على نباتات النرجس البري . وشكسبير . " تساءلت باهتمام : " وما العيب في شكسبير ؟ " " إنه يتحذلق ويتحاذق ليقول أشياء في غاية الصعوبة , بحيث لا تستطيع فهم ما يعنيه, ومع ذلك فإنني أحب بعض أعماله . " قلت : " إنني متأكد من أن ذلك يسعده كثيراً . " يبدو أن ميجان لم تشك بنبرة السخرية التي تكسو كلامي , حيث قالت متهللة الأسارير : " فأنا أحب مثلاً شخصيتي جونريل وريجان . " " لماذا هاتان بالذات ؟ " " أوه , لا أدري , إنهما تشعراني بالرضا إلى حد ما . لماذا كانتا كذلك في رأيك ؟ " " ماذا كانتا ؟ " " كانتا كما هما , شريرتين في الرواية . أعني أنهما لابد أن هناك شيء جعلهما كذلك ؟ " لأول مرة يطرح علي هذا السؤال , فقد كانت مستقرة دائماً في وجداني فكرة أن ابنتي الملك لير فتاتان شريرتان , وهذا ما ارتضيته لنفسي , ولكن تساؤل ميجان عن الأمر جعلني أهتم . قلت : " سأفكر في ذلك . " " أوه , إن الموضوع ليس ذا أهمية , وإنما كنت أتساءل فقط . فهذا هو الأدب الإنجليزي على أية حال , أليس كذلك ؟ " " تماماً , تماماً , ألم تعجبك أي مادة أخرى ؟ " " الرياضيات فقط . " تساءلت مندهشاً : " الرياضيات ؟ " تهللت أسارير ميجان . وقالت : " لقد أحببت الرياضيات , ولكنها لم تُدرس على الوجه الأمثل , لكم تمنيت لو تعلمتها بشكل جيد حقاً , إنها مادة ساحرة . أعتقد أن الأرقام فيها نوع من السحر , أليس كذلك ؟ " قلت بصدق : " لم أشعر بذلك مطلقاً . " كنا الآن على وشك دخول شارع هاي ستريت . قالت ميجان بحدة : " هاهي الآنسة جريفيث . يا لها من امرأة كريهة . " " ألا تحبينها ؟ " " إنني أمقتها . فهي تلح علي دائماً حتى أنضم إلى جماعتها من فريق الكشافة المثيرات للاشمئزاز . إنني أكره فتيات الكشافة . ما الذي يدفع الواحدة منا إلى ارتداء أزياء خاصة والسير في مجموعات ووضع شارات على ملابسها من أجل شيء لم تتعلم فعله بطريقة صحيحة ؟ أعتقد أنه مجرد هراء . " كنت بصفة عامة متفق مع ميجان , غير أن السيدة جريفيث هبطت علينا قبل أصارحها بموقفي . كانت أخت الطبيب التي تحمل اسم إيمي جريفيث تتمتع بقدر من الثقة بنفسها يفوق ما يتمتع به شقيقها . وقد كانت امرأة جميلة , ذات وجه أشهب نتيجة التعرض للشمس , وكان صوتها عميقاً ويحمل نبرة ودودة . أشارت إلينا قائلة : " مرحباً بكما , إنه صباح لطيف , أليس كذلك ؟ ميجان عي من أردت رؤيته . أريد مساعدتك في كتابة عناوين المظاريف إلى جمعية المحافظين ." تمتمت ميجان بشيء مراوغ , ثم ألقت بدراجتها على حافة الطريق , واختفت بطريقة عمدية داخل المتجر الدولي . قالت الآنسة جريفيث : " طفلة غريبة , إنها كسولة للغاية . فهي تقضي وقتها بالتسكع . لابد أنها تمثل مشكلة للسيدة المسكينة سيمنجتون . أعرف أن أمها حاولت أكثر من مرة تشجيعها على امتهان مهنة ما ـ الكتابة على الآلة الكاتبة , أو الطهي , أو تربية الأرانب . إنها بحاجة لشيئ تهتم به في الحياة . " كنت أعتقد أن ذلك صحيح إلى حد بعيد , غير أنني شعرت لو أنني مكان ميجان لرفضت بحزم مقترحات الآنسة جريفيث وما ذلك إلا بسبب شخصيتها العدوانية التي كانت لتحول حياتي إلى جحيم ...
يتبع ...
| |
| | | مشاكسة إدارة عـــامة
معـلـومـاتي الجنس : الإنتساب : 21/09/2009 مكاني : حيث اكون ..
| موضوع: رد: الاصابع المتحركه ..1 الثلاثاء فبراير 08, 2011 4:20 am | |
| | |
| | | لعيونك اشتاق إدارة
معـلـومـاتي الجنس : الإنتساب : 10/01/2010 مكاني : •.♥°•.في أحضانـ الكونـ •.♥°•.
| موضوع: رد: الاصابع المتحركه ..1 الأربعاء فبراير 09, 2011 4:09 am | |
| مشكوووووه جوليت طرح رآآآآآئع كروعتك دمتي متميزه | |
| | | السحابه مديرة المنتدى
معـلـومـاتي الجنس : الإنتساب : 20/11/2009 مكاني : بين السحاااااااب
| موضوع: رد: الاصابع المتحركه ..1 الأحد فبراير 27, 2011 11:11 pm | |
| يعطيك ألف عاااااااافيه يالغاليه موضووع رااااائع | |
| | | | الاصابع المتحركه ..1 | |
|
مواضيع مماثلة | |
|
| صلاحيات هذا المنتدى: | لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
| |
| |
| |
|