ملحمة بطولية جرت في محمية كروبر بإفريقيا الجنوبية، عرفت بـ"معركة كروبر"، أبطالها قطيع من الجواميس عدده يقارب المئتان، تتحد وتتآلف وتتعاضد وتنتفض في منظر مفاجئ وشيق لإنقاذ أحد أبناءها الصغار الذي وقع فريسةً لستة من الأسود الجائعة.
ذكرني فعل الجواميس ذاك خلال مشاهدتي لبرنامج علمي تحليلي تناول الحادثة بإسهاب، بحاجتنا الماسة إلى الأخذ بتلك التجربة على محمل الجد، وبحاجة شعوبنا العربية، وشعبنا الفلسطيني خاصة إلى تطبيق ذاك النموذج الثوري الجماعي.
أكثر ما جال في خاطري وأنا أتابع أحداث الفيلم المتسارعة، حال الضفة الغربية اليوم، التي تعيش أسوأ أيامها وشهورها وسنينها منذ احتلال وطننا الحبيب، من خلال تصوير حالة الصراع المحتدم بين الظالم والمظلوم، والقوي والضعيف في ظل سيادة قانون الغاب الذي يسري في كلتا التجربتين (كروبي-الضفة).
وَقًعَ الجاموس الصغير تحت مخالب الأسود الستة، بعد أن هرب القطيع الذي كان يأويه، فتناهشته الأسود محاولة خنقه ليكون طعام يومها ذاك، الجاموس المقهور يصارع الموت، ويطلق استغاثاته بصوت مرير مألوم، فتلقى استغاثاته آذاناً صاغية من قومه فيهرعون لنجدته كالجسد الواحد يشد بعضه بعضاً.
السبب الأساسي لتلك النجدة كما ذكر المحللون في البرنامج، جاموس ذكر واحد وأمهات القطيع اللواتي قمن بتشجيع الجواميس على التحرك، وهذا ما يؤكد أهمية القائد الذي يستطيع الإمساك بزمام المبادرة والإقدام بشجاعة، وما أحوجنا له في ضفتنا، وبالدور النسوي النافع في أي بيئة كانت، فما أن قامت أمهات الجواميس بدورهن، وتحرك ذاك القائد الفذ قاذفاً بقرنيه أسدين بالهواء، إلاّ وجحافل الجواميس تتقدم متيقنة من نصرها بذاك التماسك الداخلي وتلك القيادة المقدامة.
شعرت بالغصة والألم الشديدين، حين حاولت أَمَلاً وحُلُماً عكس تلك التجربة على الضفة الغربية، فوجدت غياب عدة عناصر لنجاح التجربة، كان منها تلك الشخصية التي يمكنها شحذ الهمم، وإطلاق الشرارة، وقيادة الجماهير بثقة وصلابة، مع إيماني بأن الله سيسخرها لعباده المظلومين، فهي آتية لا محالة بإذن الله.
ما شدني أيضاً من أحداث المعركة، هشاشة الأسود وضعفها وسرعة انهزامها، وهي التي لم تعتد أن يهاجمها أحد بالقوة تلك، فذكرني ذلك بما جرى لأجهزة السلطة بغزة حين الحسم العسكري، فتحول الأسد الهصور إلى فأر جبان فارٍ بروحه، باحثٍ عن النجاة بأي وسيلة كانت، وهو ما سيكون عليه الحال إن استيقظت الضفة من غيبوبتها، فعدونا هو أضعف بكثير مما نتصور.
حاولت المرور بعجالة على تلك الحالة الثورية الرائعة التي كانت حصيلتها رد الحق لأصحابه، وتحرير الجاموس الصغير، وإثبات الموقف بالفعل الصارم لا بالقول والوعد، فما أحوجنا لثورة كثورة جواميس كروبر تكون بقيادة رجل مؤمن مقدام فذّ، ليضع الشعب عن كاهله حملاً ثقيلاً يحمله على أكتافه منذ عشرات السنين.
لمشاهدة الفيديو على اليوتيوب على الرابط التالي
https://www.youtube.com/watch?v=LU8DDYz68kM