كانت دائماً تفضل الجلوس على نفس المقعد
تنتقل إلى الصفوف الخلفية وحدها ، كان المعلم يصر إصرارا غامضاً
على تواجدها في صف الأمامي ....
يقول لها : تجلسين هنا ... هل تفهمين؟ ... لا تتحركـِ من هنا
بمجرد انتهاء الحصة تخطف حقبتها وتركض مسرعة.
كانت تسير كأنها لا ترى شيء، دائماً كان واجهها ينبش فـِ الأرض ولا ترفع رأسها إلى سماء،
حتى ونحن نمشي معاً فـِ رحلة العودة،
كنت أتفحص وجهها ... أتفحصه بـإصرار .
كانت شديدة البياض كل شيء فيها واجهها ناصعاً ..
ويدها بيضاء وقدميها وشعر رأسها شديد سواد
كانت بيضاء كثلج أو كنهار أو ....
ولم ادري لم يطلقون عليها {عدوة الشمس} ...؟
عدوة الشمس ........... عدوة الشمس ..
كانت شديدة ذكاء لها ملامح هادئة و حزينة
حكت لـِ مرة عن والدتها .. فقالت : سحبتني أمي مثل الخروف إلى أعلى البيت ، وعلى سطح ربطتني ، وتركتني لـلشمس ، ثم نادت على الشمس
رجتها : يا شمس يا شموسة .... لوني واجه ابنتي كما لونتِ واجه الأطفال ببعض سمرة ... يا شمس يا نجمة أمانة عليكـِ
لكنها وبمجرد ظهور شمس – فـِ ذاكـ اليوم – كانت تصرخ وتختبئ بين عيدان القش ....
وحين راحت الأم تتابعها لم تجدها : أين رحتِ ؟
يا ابنتي ... ردي ... علي ... اجبني
نادت عليها هنا وهناكـ ... قطعت شارع بحثاً عنها : يا ناس الم يرى احد منكم ابنتي؟ ... يا ناس ..
لم تعثر لها على اثر هل اختطفتها الشمس؟
صعدت الأم الدارج .. وعلى سطح كانت تناجي الشمس وتبكي
أمانة عليكـِ ... ارجعي لـِ ابنتي ... ارجعي لـِ ابنتي .
بكت حتى بلل الدمع ثيابها ، وهنا لم تنطق هند .. وخرجت
من بين العيدان ، وارتمت فـِ حجر أمها وجسدها يتصبب عرقاً
لم فعلتي هذا بـِ .. سوف اغضب منكـِ .
خابت محاولات الأم فـِ لم شمل ابنتيها مع شمس ،
ولم تحاول تكرار المحاولة ، بيد أنها كانت تصعد الدارج وأمام الشمس تجلس .. ولسنها يردد : أحبي ابنتي .. لم أكرهك .. كنت دائماً احبكـ .. فلم نبذتي ابنتي؟
كانت هند تتجنب سير معنا ، تسير محتمية بالبيوت ، ونحن نعاكسها .. ونحاول إبعادها ... بل نضطرها بقسوة فنقذف بها وسط
الطريق لـِ تسير معنا
كنا نلهو دون أن ندري أو نحاول كشف سر هند.
طلبت مني مرة زيارتها ، كانت لها حجرة خاصة جميلة وهادئة ، حين دخلت الحجرة رأيت شموساً كثيرة كلها مرسومة بأصبعها
شمس هنا ... شمس هناكـ ... وهنا وفـِ كل مكان
وأسفل كل رسم جملة .. تختلف عن الآخرة
كم احبكـ أيتها الشمس ... إنكـِ تخفينني أحياناً
لماذا لا استطيع نظر فـِ واجهكـ؟
هند تحب الشمس ... أنني لا أكرهكـ ... لست عدوة لكـ
تعليقات كثيرة ... وشموس أكثر ...
قلت لها ذات مرة : ألا ترسمين قمراً؟
قالت : القمر دائماً معي ... أرى واجهه ... ولكن شمس أجمل ... واكبر من كل أقمار سماء
تعجبت من كلمها ... تعجبت كثيراً، كانت تعرف ، وكانت تحب الشمس ... بـِ صدق ....
جالستها ساعات ، أقبلت الأم تحمل بعض الحلوة ، حين تأملت الحلوة رأيت الشمس ... نفس الشكل ، نفس الخطوط الذهبية ...
إشعاعات تمتد هنا وهناكـ ، وأضواء تسقط ... كتل من نور
أسرعت هند ، أحضرت دفتر رسم كبير ... وضعت دفتر أمامي
رحت اقلب صفحاته ، لم يخل رسم من شمس جميلة.
سألت نفسي : لماذا يطلقون عليها {{عدوة الشمس}} ...؟
إنها تحبها كثيراً ، تحبها أكثر منا – نحن صديقاتها –
حين كانت تحكـِ لـِ عن حلمها ، ذالكـ الحلم الذي تراه دائماً
كانت عينها تطرفان ، والدموع تتساقط منهما ...
تقول هند : إنها تأتني فـِ حلمي وتنام في فراشي كل ليلة .
فجأة وقفت وجذبتها من يدها ، وقلت لها : هيا بنا نطالعها
بفرح عجيب كانت تتقدمني إلى سطح كنا عصراً
الشمس تلم إشعاعاتها ... وتسحب أضوئها ... وتستعد للرحيل
وقفت إلى جانبي .. بعد قليل اكتشفت أني أقف لـِ وحدي
بحثت عنها ، كانت تختلس نظر إليها وهي تختبئ ورائي
ومرت السنين .... كل ذهب من طريق كبرنا .... ،
اليوم قابلتها صدفة هي التي تعرفت علي كانت تسير
فـِ الشمس وكنت أعجب كيف أن ملامحها ضلت كما هي رغما كل هذه سنوات التي مضت
فقالت لـِ : أصبحنا أنا وهي أصدقاء
وتركتني وهي مبتسمة ... وأنا أتابعها وهي تبتعد والشمس تحط على وجهها البياض كأنها تداعبها .
__________________