أصلاح امطار بخمسة ريال (سرقة جديدة)

من الأولى معالجة المبررات بطرق ابتكارية بدلا من القمع والعقوبة، فالمطارات هي واجهة الدولة وجواز دخول الوطن
الأسبوع الماضي ذهبت لاستقبال والد زوجتي بمطار الملك عبدالعزيز بجدة وقبل دخولي إلى المطار نحو اتجاه صالة القدوم توقفت عند بوابات إلكترونية مغلقة لم أعهدها، وجدت رجل أمن يؤشر لي بالدخول إلى المواقف الخاصة فأخبرته بأن الشخص الذي أستقبله سيكون عند بوابة المطار مباشرة، فذكر لي أن هذا نظام جديد ولن تستطيع الدخول إلى المطار إلا عبر المواقف وتسحب كرتاً من بوابة الدخول وتستقبل من تريد حتى لو لدقيقة واحدة وعند خروجك تسدد رسم الدخول 5 ريالات! حاولت أن أستفسر منه أكثر ولكن أجابني بكلاسيكية المقولة القاطعة للحوار وبما لن تجد له إجابةً أو حتى يجعلك تكمل بكلمة واحدة "أنا عبدٌ مأمور"!، حينها استسلمت للعملية وأخذت كرتاً واستقبلت ضيفي ودفعت المبلغ عند الخروج لافتاً انتباهي أن كل الموظفين غير سعوديين في أكشاك المحاسبة وتلك قضية أخرى !.
القصة باختصار إن أردت استقبال شخص ما (فرغماً) عنك تدفع 5 ريالات، عملية مؤلمة تظللها سحابات المواراة والاستنزاف والاستفزاز للمواطن، بحثت عن ذلك القرار الذي سيطور مطار جدة فوجدت تحقيقاً للزميل حمد العشيوان في صحيفة (الوطن) يبين أن هيئة الطيران المدني طرحت مناقصة لتطوير "مواقف" المطار بمبلغ 70 مليوناً وظفرت بها شركة المواقف الوطنية وقدمت الجمل بما حمل لهذه الشركة، ومما يدعوك للعجب أكثر في التحقيق الرسائل (الوطنية) التي قدمها رئيس مجلس إدارة شركة المواقف الوطنية بمفارقات عجيبة ومؤلمة مقدمة لكل مواطن وبخمسة ريالات بأن هذا النظام الجديد ليس سوى دورة في تعليم السائق النظام بعيداً عن السلبية والفوضى، مع التأكيد أن هدف الشركة ليس استنزاف جيوب المواطنين وكاد المريب أن يقول خذوني!
وما أضحكني على المستوى الإنساني أن "الشركة متعهدة بدفع رسوم الدخول إلى المواقف إذا ما اتضح أن الشخص المستخدم لا يستطيع دفع المال نظير استخدامه الموقف"، ومن واجبي هنا ككاتب أن أقدم النصح للمواطنين والمعسرين والمحتاجين أن يقدموا صكوك إعسار ومعروضاً لسعادته حتى يثبتوا أنهم لا يستطيعون دفع إتاوةً بخمسة ريالات !
في جميع مطارات العالم دون استثناء يمكنك استقبال أي مسافر مجاناً ونظام (الخمسة ريالات) محاولة هروب من المسؤولية ومعاقبة الناس على أخطاء تصميم المطار وأخطاء إدارة تشغيله من قبل الهيئة العامة للطيران المدني فبدلاً من الاعتذار من المواطن عن هذا التخطيط الهزيل نجد إدارة المطار تفرض (إتاوةً) بخمسة ريالات لأن الناس غير منظمين أمام المطار، وهذا عذر واه، فالتكدس أمام المطار لأن تصميم الشارع أمام صالة الوصول ضيق مليء بالمنعطفات ومن المفترض أن يكون طريقا عريضا مستقيما، وكان من الأفضل لهم توسعة ذلك الطريق من خلال تصغير مواقف السيارات أمام صالة الوصول، لكن هذا الحل سيخفض من مكاسب مواقف السيارات والأسهل إلقاء اللوم على الناس ومنحهم دروساً ودورات في النظام بخمسة ريالات !
فهمت الناس اللعبة وصار الازدحام الآن عند الدوار الخارجي قبل الدخول للصالات فزحفت المشكلة من أمام الصالات إلى الشوارع الرئيسة المؤدية لها ولم نستفد شيئاً، وأصبح كل شخص يريد تلافي دفع هذا المبلغ عليه أن يخبر القادم بأن يصعد للدور الثاني ليقابله أمام بوابة المغادرين وانظروا كيف أصبح الازدحام عند بوابة المغادرين الآن!
الكل لديه مبررات ومن الأولى معالجة المبررات بطرق ابتكارية بدلا من معالجتها بالقمع والعقوبة، فببساطة المطارات هي واجهة الدولة وجواز دخول الوطن ومفتاح يلهب العقول ويشده الأنظار وليست دكاناً هزيلاً يقدم ملامح تنموية غير ناضجة، بل إنها لم تعد أماكن للسفر فقط وإنما أصبحت مشاريع لصناعة التشويق والجذب بدلاً من نفض الجيوب!
وتبقى أسئلة حيرى تبحث عن إجابات : أين دور رجال المرور في تنظيم التكدس أمام المطار؟
ولماذا حصرت هذه (الضريبة) على المواطنين والمقيمين ولم تطبق على وجهاء المجتمع وأغنيائه في (الصالة التنفيذية)؟